للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو اشْتَدَّ مَرَضُه ولم يَتَغَيَّرْ عَقْلُه، صَحَّ تَصَرُّفُه وتَبَرُّعُه، وكان تَبَرُّعُه من الثُّلُثِ، فإنَّ عمرَ رَضِىَ اللهُ عنه، خَرَجَتْ حَشْوَتُه، فقُبِلَتْ وَصِيَّتُه، ولم يُخْتَلَفْ في ذلك. وعلىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه، بعد ضَرْبِ ابنِ مُلْجِمٍ له (٧٢) أوْصَى وأمَرَ ونَهَى، فلم يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ قَوْلِه. الضرب الرابع، مَرَضٌ مَخُوفٌ، لا يُتَعَجَّلُ مَوْتُ صاحِبِه يَقِينًا، لكنَّه يخَافُ ذلك، كالبِرْسَامِ، وهو بُخَارٌ يَرْقَى (٧٣) إلى الرَّأْسِ، ويُؤَثِّرُ في الدِّمَاغِ، فيَخْتَلُّ العَقْلُ (٧٤)، والحُمَّى الصَّالِبُ (٧٥)، والرُّعَافُ الدائِمُ؛ لأنَّه يُصَفِّى الدَّمَ، فيُذْهِبُ القُوَّةَ، وذاتِ الجَنْبِ، وهو قَرْحٌ بِبَاطِنِ الجَنْبِ، وَوَجَعِ القَلْبِ والرِّئَةِ؛ فإنَّها لا تَسْكُنُ حَرَكَتُها، فلا يَنْدَمِلُ جُرْحُها، والقُولَنْجِ، وهو أن يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ في بعضِ الأَمْعاءِ، ولا يَنْزِلَ عنه، فهذه كلُّها مَخُوفَةٌ، سواءٌ كان معها حُمَّى أو لم يكُنْ، وهى مع الحُمَّى أشَدُّ خَوْفًا. فإن ثَاوَرَهُ الدَّمُ، واجْتَمَعَ في عُضْوٍ، كان مَخُوفًا؛ لأنَّه من الحَرَارةِ المُفْرِطَةِ. وإن هاجَتْ به الصَّفْرَاءُ، فهى مَخُوفَةٌ؛ لأنَّها تُورِثُ يُبُوسَةً، وكذلك البَلْغَمُ إذا هاجَ؛ لأنَّه من شِدَّةِ البُرُودَةِ، وقد تَغْلِبُ على الحَرَارةِ الغَرِيزِيّةِ فَتُطْفِئُها. والطّاعُونُ مَخُوفٌ؛ لأنَّه من شِدَّةِ الحَرَارةِ، إلَّا أنَّه يكونُ في جَمِيعِ البَدَنِ. وأمَّا الإِسْهالُ، فإن كان مُنْخَرِقًا لا يُمْكِنُه مَنْعُه ولا إمْساكُه، فهو مَخُوفٌ، وإن كان ساعَةً؛ لأنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذلك أسْرَعَ في هَلَاكِه. وإن لم يكُنْ مُنْخَرِقًا، لكنَّه يكونُ تارَةً ويَنْقَطِعُ أخرى، فإن كان يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ، فليس بمَخُوفٍ؛ لأنَّ ذلك قد يكونُ من فَضْلَةِ الطَّعَامِ، إلَّا أن يكون معه زَحِيرٌ وتَقْطِيعٌ كأن (٧٦) يَخْرُجَ مُتَقَطِّعًا، فإنَّه يكونُ مَخُوفًا؛ لأنَّ ذلك يُضْعِفُ. وإن دامَ الإِسْهالُ، فهو مَخُوفٌ، سواءٌ كان معه زَحِيرٌ أو لم يكُنْ. وما أشْكَلَ أمْرُه من الأمْراضِ، رُجِعَ فيه إلى قولِ أهْلِ المَعْرِفةِ، وهم الأَطِبَّاءُ


(٧٢) سقط من: م.
(٧٣) في أ: "يرتقى".
(٧٤) في ازيادة: "به".
(٧٥) الحمى الصالب: الشديدة الحرارة.
(٧٦) في الأصل: "كأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>