للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى خَالَفَهم ابْنُ عَبَّاسٍ، فَرَوَى الزُّهْرِىُّ، عن عبدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قال: لَقِيتُ زُفَرَ بنَ أوْسٍ الْبَصْرِىَّ، فقال: نَمْضِى إِلى عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، نَتَحَدَّثُ عنده، فأَتَيْنَاهُ، فَتَحَدَّثْنَا عندَه، فكان مِنْ حَدِيثِهِ، أَنَّهُ قال: سُبْحَان الَّذِى أحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا، ثُمَّ يَجْعَلُ في مَالٍ نِصْفًا، وَنِصْفًا، وثُلُثًا، ذَهَبَ النِّصْفَانِ بِالْمَالِ، فَأيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ! وأَيْمُ اللهِ، لو قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللهُ، وأَخَّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللهُ، مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ أَبَدًا، فقال زُفَرُ: فمَنِ الَّذى قَدَّمَهُ اللهُ، ومَنِ الَّذِى أَخَّرَهُ اللهُ؟ فَقَالَ: الَّذِى أَهْبَطَه مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ، فذلك الذي قَدَّمَهُ اللهُ (٨)، والَّذى أَهْبَطَهُ مِنْ فَرْضٍ إلى ما بَقِىَ، فذلك الَّذِى أَخَّرَهُ اللهُ. فقال زُفَرُ: فمَنْ أوَّلُ مَنْ أعَالَ الْفَرَائِضَ؟ قال: عمرُ بنُ الخطَّابِ. فقُلْتُ: أَلَا أَشَرْتَ عليه؟ فقال: هِبْتُهُ، وَكَانَ امْرَءًا مَهِيبًا (٩). قَوْلُه: مَنْ أَهْبَطَهُ مِنْ فَرِيضَةٍ [إلى فَرِيضَةٍ] (١٠)، فذلك الَّذِى قَدَّمَهُ اللهُ. يُرِيدُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ والْأُمَّ، لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم فَرْضٌ، ثُمَّ يُحْجَبُ إِلَى فَرْضٍ آخَرَ لا يَنْقُصُ منه، وأَمَّا مَنْ أَهْبَطَهُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مَا بَقِىَ، يُرِيدُ الْبَنَاتِ والْأَخَوَاتِ، فَإِنَّهُنَّ يُفْرَضُ لَهُنَّ، فإِذا كان مَعَهُنَّ إِخْوَتُهُنَّ، وَرِثُوا بِالتَّعصِيبِ، فكان لهم مَا بَقِىَ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فكان مَذْهَبُهُ، أنَّ الْفُرُوضَ إِذَا ازدَحَمَتْ رُدَّ النَّقْصُ على الْبَنَاتِ والْأَخَوَاتِ. وَلَنا، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هؤلاءِ لو انْفَرَدَ أَخَذَ فَرْضَهُ، فإِذا ازْدَحَمُوا وَجَبَ أَنْ يَقْتَسِمُوا على قَدْرِ الْحُقُوقِ، كأَصْحابِ الدُّيُونِ والْوَصَايَا، ولِأَنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ، كما فَرَضَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وفَرَضَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، كما فَرَضَ الثُّلُثَ لِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ، فلا يجوزُ إِسْقَاطُ فَرْضِ بَعْضِهم، مع نَصِّ اللهِ تعالى عليه، بِالرَّأْىِ وَالتَّحَكُّمِ، وَلَمْ يُمْكِنِ الْوَفَاءُ بِها، فوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي النَّقْصِ على قَدْرِ الْحُقُوقِ، كالْوَصَايَا، وَالدُّيُونِ، وقد يَلْزَمُ ابْنَ عَبَّاسٍ على قَوْلِهِ مَسْأَلَةٌ فيها


(٨) سقط من: الأصل، أ.
(٩) أخرجه البيهقي، في: باب العول في الفرائض، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى ٦/ ٢٥٣. وسعيد بن منصور، في: باب في العول، من كتاب ولاية العصبة: السنن ١/ ٤٤.
(١٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>