للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلُ الْيومَ في الْأَمْصَارِ، إِلَّا أَنَّهُ يُرْوَى عن ابْنِ مَسْعُودٍ، أنَّهُ كان لا يَرُدُّ على بِنْتِ ابْنٍ مع بِنْتٍ، ولا على أُخْتٍ مِنْ أَبٍ مع أخْتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ، ولا على جَدَّةٍ مع ذِى سَهْمٍ. ورَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ، عن أَحمدَ، أَنَّهُ لَا يَرُدُّ على وَلَدِ الْأُمِّ مع الْأُمِّ، وَلَا على الجَدَّةِ (٣) مع ذِى سَهْمٍ. والذي ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ أَظْهَرُ في الْمَذْهَبِ وأَصَحُّ، وهو قَوْلُ عامَّةِ أَهْلِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهم تَسَاوَوْا في السِّهَامِ، فيَجِبُ أَنْ يَتَسَاوَوْا فيما يَتَفَرَّعُ عليها، ولِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لو عَالَتْ، لَدَخَلَ النَّقْصُ على الْجَمِيعِ، فالرَّدُّ يَنْبَغِى أَنْ يَنَالَهُم أَيضا. فَأمَّا الزَّوْجَانِ، فلا يُرَدُّ عليهما باتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَّا أَنَّهُ رُوِىَ عَنْ [عثمانَ رَضِىَ اللهُ] (٤) عنه، أَنَّهُ رَدَّ على زَوْجٍ. ولَعَلَّهُ كان عَصَبَةً، أَو ذَا رَحِمٍ، فأَعْطَاهُ لذلك، أوْ أعْطَاهُ مِنْ مالِ بَيْتِ الْمَالِ، لا على سَبِيلِ المِيرَاثِ، وسَبَبُ ذلك، إِنْ شَاءَ اللهُ، أَنَّ أَهْلَ الرَّدِّ كُلَّهم من ذَوِى الأَرْحَامِ، فيَدْخُلُونَ في عُمُومِ قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} (٥). وَالزَّوْجَانِ خَارِجَانِ مِن ذلك. وذَهَبَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ إلى أَنَّ الْفَاضِلَ عن ذَوِى الْفُرُوضِ لِبَيْتِ الْمَالِ، ولا يُرَدُّ على أَحَدٍ فَوْقَ فَرْضِه. وبه قال مَالِكٌ، والْأَوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، رَضِىَ اللهُ عنهم؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال في الْأُخْتِ: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} (٦). ومَنْ رَدَّ عليها جَعَلَ لها الكُلَّ، ولِأنَّها ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى. فلا يُرَدُّ عليها، كالزَّوْجِ. ولَنا، قَولُ اللهِ تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} (٥). وهؤلاءِ مِنْ ذَوِى الْأَرْحَامِ، وقد تَرَجَّحُوا بِالْقُرْبِ إِلَى الْمَيِّتِ، فيكُونُونَ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لِسَائِرِ الْمسْلمين، وذُو الرَّحِمِ أَحَقُّ مِن الْأَجَانِبِ، عَمَلًا بِالنَّصِّ، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَىَّ" (٧). وَفِى لَفْظٍ: "مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَإِلَىَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوُرَّاثِ". مُتَّفَقٌ عليه. وهذا عامٌّ فِي


(٣) في م: "الجد".
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) سورة الأنفال ٧٥.
(٦) سورة النساء ١٧٦.
(٧) تقدم تخريجه في: ٨/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>