للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينْقَسِمُ إلى مُشْكِلٍ وغيرِ مُشْكِلٍ، فالذى يتبيَّنُ فيه علاماتُ الذكورِيَّةِ، أو الأُنوثِيَّةِ، فيُعْلَمُ أنَّه رجلٌ، أو امرأةٌ، فليس بمُشْكِلٍ، وإنَّما هو رجلٌ فيه خِلْقَةٌ زائدةٌ، أو امرأةٌ فيها خِلْقَةٌ زائدةٌ، وحكمُهُ في إرْثِهِ وسائرِ أحكامِهِ حُكْمُ ما ظهرَتْ علاماتُهُ فيهِ، ويُعْتَبرُ بمَبالِهِ في قولِ مَن بَلَغَنَا قولُه من أهلِ العلمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نحفظُ عنهُ من أهلِ العلمِ علَى أنَّ الخُنْثَى يُوَرَّثُ من حيثُ يبولُ، إن بالَ من حيثُ يبولُ الرجلُ، فهو رجلٌ، وإن بالَ من حيثُ تبولُ المرأة، فهو امرأةٌ. وممَّنْ رُوِىَ عنه ذلك؛ علىٌّ، ومعاويةُ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وجابرُ بنُ زيدٍ، وأهلُ الكوفةِ، وسائرُ أهلِ العلمِ. قال ابن اللبَّانِ: رَوَى الكَلْبِىُّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ عن مولودٍ لهُ قُبُلٌ وذَكَرٌ، من أينَ يُوَرَّثُ؟ قال: "مِن حَيْثُ يَبُولُ". ورُوِىَ أنَّه عليه السلام أُتِىَ بخُنْثَى من الأنصار، فقال: "وَرِّثُوهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَبُولُ مِنْهُ" (١). ولأنَّ خُروجَ البَوْلِ أعمُّ العلاماتِ؛ لوجودِها من الصغيرِ والكبيرِ، وسائرُ العلاماتِ إنَّما يوجَدُ بعدَ الكِبَرِ، مثلُ نباتِ اللحيةِ، وتَفَلُّكِ الثَّدْىِ (٢)، وخروجِ المَنِىِّ، والحَيْضِ، والحَبَلِ. وإن بالَ منهما جميعًا، [اعتبَرْنا أسبقَهما] (٣). نصَّ عليه أحمدُ. ورُوِىَ ذلك عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ. وبه قالَ الجُمهورُ. فإن خرجا معًا، ولم يسبِقْ أحدُهما، فقالَ أحمَدُ، في روايةِ إسحاقَ بن إبراهيمَ: يرِثُ من المكانِ الذي ينزلُ (٤) منه أكثرَ. وحُكِىَ هذا عن الأَوْزاعِىِّ، وصاحِبَىْ أبى حنيفَةَ. ووقَفَ في ذلك أبو حنيفَةَ، ولم يَعْتَبِرْهُ أصحابُ الشَّافِعِىِّ رَضِىَ اللهُ عنه، في أحدِ الوجهَيْنِ. ولَنا، أنَّها مَزِيَّةٌ لإِحدَى العَلامتَيْنِ، فيُعْتَبَرُ بها، كالسَّبْقِ. فإنِ اسْتويَا فهو حينَئِذٍ مُشْكِلٌ. فإن ماتَ لهُ مَنْ يرِثُه، فقالَ الجُمهورُ:


(١) أخرجه البيهقي، في: باب ميراث الخنثى، من كتاب الفرائض. السنن الكبرى ٦/ ٢٦١. وانظر: إرواء الغليل ٦/ ١٥٢.
(٢) تفلك الثدى: استدارته.
(٣) في أ: "اعتبر بأسبقهما".
(٤) في أ: "يبول".

<<  <  ج: ص:  >  >>