للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لَا يَتَوَارَثُ أهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى". أَنَّ أهْلَ المِلَّةِ الواحدةِ يَتَوارَثُون. وضبطُه (١١) التوريثَ بالملَّةِ والكُفْرِ والإِسلامِ، دليلٌ على أَنَّ الاعتبار به دُونَ غيرِه، ولأنَّ مُقْتَضى التَّوْريثِ موجودٌ، فيَجِبُ العَمَلُ به، ما لم يَقُمْ دليل على تَحَقُّقِ المانِعِ. وقد نَصَّ أحمدُ فى رِوايَة الأثْرَمِ، فى من دَخَلَ إلينا بأمانٍ فقُتلَ، أنَّه يبعَثُ بِدِيته إلى مَلِكِهم حتَّى يَدْفَعَها إلى وَرَثَتِه (١٢). وقد رُوِىَ أَنَّ عمرو بنَ أُمَيَّةَ كان مع أهْلِ بئْرِ مَعُونَةَ، فسَلِم ورَجَعَ إلى المدينةِ، فوجَدَ رَجُلَيْنِ فى طَرِيقه من الْحَىِّ الذى قتَلُوهم، وكانا أتيَا النّبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى أمانٍ، ولم يَعْلَمْ عمرٌو، فقتَلهما، فوداهُما النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (١٣). ولا شَكَّ فى أنَّه بعثَ بِديتِهما إلى أهْلِهما. وقال القاضى: قياسُ المذهبِ عندى، أنَّه لا يرثُ حَرْبِىٌّ ذِميًّا، ولا ذِمِّىٌّ حَرْبِيًّا؛ لأنَّ المُوالاةَ بينهما مُنْقَطِعةٌ، فأمَّا المُسْتَأمَنُ فيَرِثُه أهلُ الحرْب، وأهلُ دارِ الإسْلامِ. وبهذا قال الشَّافعىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال أبو حنيفةَ، إلَّا أَنَّ المُسْتَأمَنَ لا يَرِثُه الذّمِّىُّ؛ لأنَّ دارَهما مختلِفةٌ. قال القاضى: ويَرِثُ أهْلُ الحرْبِ بعضُهم بعضًا، سواءٌ اتّفقتْ ديارُهم، أو اختلفتْ. وهذا قولُ الشَّافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا اختلفتْ ديارُهم، بحيثُ كان لكلِّ طائفةٍ مَلِكٌ، ويرَى بعضُهم قَتْلَ بَعْضٍ، لم يَتَوارَثا؛ لأنَّهم لا مُوالاةَ بينهم، أشْبَهَ أهْلَ دارِ الحربِ، فجعلوا اتِّفاقَ الدَّارِ، واخْتلافَها ضابطًا للتَّوْريثِ، وعدمِه. ولا نعلمُ فى هذا كلِّه (١٤) حُجَّةً من كتابٍ ولا سُنَّةٍ، معَ مُخالفتِه لعمومِ النَّصِّ المُقْتَضِى للتَّوْريثِ، ولم يَعْتَبْروا الدِّينَ فى اتفاقِه، ولا اخْتِلافِه، مع وُرودِ الخبرِ فيه، وصِحَّةِ العبْرَةِ فيها، فإنَّ المسلمين يَرِثُ بعضُهم بعضًا، وإنِ اخْتَلَفتِ الدَّارُ بهم، فكذلك الكُفَّارَ. ولا يَرِثُ المسْلِمُ كافرًا، ولا الكافِرُ مسْلِمًا؛ لاخْتلافِ الدِّينِ بهم، وكذلك لا يَرِثُ مُخْتَلِفا الدِّينِ أحدُهما من صاحِبِه شيئًا.


(١١) فى م بعد هذا زيادة: "يتوارث أهل ملتين شتى أن أهل الملة الواحدة يتوارثون" إعادة.
(١٢) فى م: "الورثة".
(١٣) انظر: السيرة النبوية ٣/ ١٨٦.
(١٤) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>