للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ وَطْءِ شُبْهةٍ فى الإِسلامِ وَرِثَ بهما، ثمَّ إنَّ امْتِناعَ الإِرْثِ بهما فى الإِسلامِ لِعَدَمِ وجودِهما، ولو تُصوِّرَ وجودُهما لَوَرِثَ بهما، بدليلِ أنَّه قد وَرِثَ بنَظِيرِهما فى ابنِ عَمٍّ هو زَوْجٌ، أو أخٌ مِنْ أُمٍّ. قال ابنُ اللَّبَّانِ: واعتبارُهم عِنْدى فاسِدٌ، من قِبَلِ أنّ الجَدَّةَ تكونُ أُخْتًا لأبٍ، فإنْ وَرَّثُوها بكونِها جَدّةً، لكَوْنِ الابْنِ يُسْقِطُ الأُخْتَ دونها، لزمَهم تَوْرِيثُها، بكَوْنِها أُخْتًا، لِكَوْنِ الأُمِّ تُسْقِطُ الجدّةَ دونَها. وخالفوا نَصَّ الكِتابِ فى فَرْضِ الأُخْتِ، وورَّثُوا الجَدّةَ التى لا نَصَّ للْكِتاب فى فَرْضِها، وهو مُخْتَلَفٌ فيه، فنهم مَنْ قال: هو طُعْمَةٌ، وليس بِفَرْضٍ مُسَمًّى (١٤). ويَلْزَمُهم أَنَّ الميِّتَ إذا خَلَّفَ أُمَّه، وأُمَّ أُمٍّ هى أُخْتٌ، أن لا يُورِّثوها شيئًا؛ لأنَّ الجُدودَةَ مَحْجوبَةٌ، وهى أقْوَى القَرابَتَيْنِ. وإِنْ قالوا: نُوَرِّثُها مَعَ الأُمِّ بكَوْنِها أُخْتًا. نَقَضوا اعتبارَهم بكوْنِها أقْوَى القَرابَتَيْنِ، وجَعَلوا الأُخوَّةَ تارةً أقْوى، وتارةً أضْعَفَ. وإِنْ قالوا: أقْوَى القَرابَتَيْنِ الأُخوَّةُ؛ لأنَّ ميراثَها أوْفَرُ. لَزِمَهم فى أمٍّ هى أُخْتٌ جَعْلَ الأخُوّةِ أقْوى مِنْ جِهَةِ الأُمومَةِ، ويَلْزَمُهم فى إسْقَاطِ ميراثِها مع الابْنِ والأخِ مِنَ الأبَوَيْنِ ما لَزِمَ القائلين بِتَقْديمِ الجُدودَةِ مَعَ الأُمِّ. فإنْ قالوا: تَوْرِيثُها بالقرابتَيْنِ يُفْضى إلى حَجْبِ الأُمِّ بنَفْسِها، إذا كانتْ أُخْتًا، وللميّتِ أُخْتٌ أُخْرى. قلنا: وما المانِعُ مِنْ هذا؟ فإنَّ اللَّهَ تعالى حَجَبَ الأُمَّ بالأُخْتَيْنِ بقوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (١٥). من غَيْرِ تَقْييدٍ بِغيرِها. ثم هم قد حَجَبُوها عن ميراثِ الأُخْتِ بِنَفْسِها، فقدْ دَخَلوا فيما أنْكَرُوه، بَلْ هو أعْظَمُ؛ لأنّهم فَرُّوا من حَجْبِ التّنْقيصِ إلى حَجْبِ الإسْقاطِ، وأسْقَطوا الفَرْضَ الذى هو أوفرُ بالكُلّيَّةِ مُحافَظةً على بعض الفَرْض الأدْنى، وخالَفوا مَدْلولَ أرْبَعةِ نُصوصٍ مِنْ كِتابِ اللَّه تَعالى؛ لأنَّهم أعْطوا الأُمَّ الثُّلُثَ، وإنَّما فَرَضَ اللَّه لها مَعَ الأخْتيْنِ السُّدُسَ. والثّانى، أَنَّ اللَّهَ تعالى إنَّما فَرَضَ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الأُخْتَيْنِ ثُلُثًا، فأعْطوْا إحْداهما النّصْفَ كامِلًا. والثّالث، أنّ اللَّه تعالى فَرَضَ للأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْن، وهاتان أُخْتان، فلم يَجْعلوا لهما الثُّلُثَيْنِ. الرَّابع، أنّ مُقْتَضى الآيَةِ أنْ يَكونَ لِكُلِّ واحِدَةٍ من الأُخْتَيْنِ الثُّلُثُ، وهذه أُخْتٌ، فلم يُعْطُوها


(١٤) فى م: "مستحق".
(١٥) سورة النساء ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>