للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَاقِلَةِ" (١٨). ولأنَّ الاسْتِهْلالَ لا يَكونُ إلَّا مِن حَىٍّ، والْحَرَكَةُ تكونُ من غيرِ حَىٍّ، فإنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ سِيَّما إذا خَرَجِ من مَكانٍ ضَيِّقٍ، فَتَضامَّتْ أجْزاؤُه، ثمَّ خَرَجَ إلى مَكانٍ فَسيحٍ، فإنَّه يَتَحَرَّكُ من غَيرِ حياةٍ فيه، ثمَّ إنْ كانتْ فيه حياةٌ، فلا نَعْلَمُ كَوْنَها مُسْتقِرَّةً؛ لِاحْتمالِ أنْ تَكونَ كحرَكَةِ المذْبوحِ، فإنَّ الحَيَواناتِ تَتَحَرَّكُ بعدَ الذَّبْحِ حَرَكَةً شديدةً، وهى فى حُكْم الميِّتِ، واخْتُلِفَ فى الاسْتِهلالِ ما هو؟ فقيلَ: هو (١٩) الصُّراخُ خاصَّةً. وهذا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنا فى هذه المسْألَةِ. ورواه أبو طالبٍ (٢٠)، عن أحْمدَ، فقال: لا يَرِثُ إلَّا مَنِ اسْتَهَلَّ صارِخًا. وإنَّما سُمِّىَ الصُّراخُ من الصَّبِىِّ الاسْتِهْلالَ تَجَوزًا، والأصْلُ فيه أَنَّ النَّاسَ إذا رَأوْا الهِلالَ صاحُوا عند رُؤْيَتِه، واجْتَمعُوا، وأراه بَعْضُهم بَعْضًا، فَسُمِّىَ الصَّوْتُ عند اسْتِهلالِ الهِلالِ اسْتهلالًا، ثمَّ سُمِّىَ الصَّوْتُ من الصَّبِىِّ الموْلودِ اسْتِهْلالًا؛ لأنَّه صَوْتٌ عندَ وُجودِ شيْءٍ يُجْتَمَعُ له، ويُفْرَحُ به. وروى يوسفُ بنُ موسى، عن أحمدَ، أنَّه قال: يَرِثُ السَّقْطُ ويُورَثُ، إذا اسْتَهَلَّ. فقيل له: ما اسْتِهْلالُه؟ قال: إذا صاحَ أو عَطَسَ أو بَكَى. فعلى هذا كُلُّ صَوْتٍ يوجَدُ منه، تُعْلَمُ به حياتُه، فهو اسْتِهْلالٌ. وهذا قوْلُ الزُّهْرِىِّ، والقاسِمِ بنِ محمد؛ لأنَّه صَوْتٌ عُلِمَتْ به حياتُه، فأشْبَهَ الصُّراخَ. وعن أحمدَ روايةٌ ثالِثةٌ، إذا عُلِمتْ حياتُه بِصَوْتٍ أو حَرَكَةٍ أو رَضاعٍ أو غَيرِه، وَرِثَ، وَثَبَتَ له أحْكامُ المُسْتَهِلِّ، لأنَّه حَىٌّ فتَثْبُتُ له أحْكامُ الحياةِ، كالْمُسْتَهِلِّ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشَّافِعىُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه، وداودُ. وإِنْ خَرَجَ بَعْضُه حَيًّا فاسْتَهلَّ، ثمَّ انْفَصَلَ باقِيه مَيِّتًا، لم يَرِثْ. وبهذا قال الشَّافِعىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقال أبو حنيفةَ، وأصحابُه: إذا خَرَجَ أكْثرُه فاسْتَهلَّ ثمَّ ماتَ، وَرثَ؛ لقَوْلِه عليه السَّلامُ: "إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ". ولَنا، أنَّه لم يَخْرُجْ جميعُه، فَأشْبَهَ ما لو ماتَ قبلَ خُروجِ أكْثَرِه.


(١٨) انظر إرواء الغليل ٦/ ١٤٧.
(١٩) سقط من: م.
(٢٠) فى م: "الخطاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>