للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّمانَ على الأوَّلِ فقط. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه قَبَضَ قَبْضًا مُوجِبًا للضَّمانِ على الأوَّلِ، فلم يُوجِبْ ضَمانًا آخَرَ، وفارَقَ القَبْضَ من الغاصِبِ؛ فإنَّه لم يُوجِبِ الضَّمانَ على الغاصبِ، إنَّما لَزِمَه الضَّمانُ بالغَصْبِ. ويَحْتَمِلُ أَنَّ له تَضْمِينَ الثانى أيضًا؛ لأنَّه قَبَضَ مالَ غيرِه على وَجْهٍ لم يكُنْ له قَبْضُه، ولم يَأْذَنْ له مالِكُه، فيَضْمَنُه (٧)، كالقابضِ من الغاصِبِ، وهذا مذهبُ الشَّافِعِىُّ. وذِكْرُ أحمدَ (٨) الضَّمانَ على الأوَّلِ لا يَنْفِى الضمانَ عن الثانى، كما أَنَّ الضَّمانَ يَلْزمُ الغاصِبَ، ولا يَنْفِى وُجُوبَه على القابِضِ منه. فعلَى هذا يسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الأَوَّلِ، فإن ضَمَّنَه لم يَرْجِعْ على أحدٍ، وإن ضَمَّنَ الثانى رجَع (٩) على الأوَّلِ. وهذا القولُ أشْبَهُ بالصَّوابِ، وما ذكَرْنا للقولِ الأَوَّلِ لا أصْلَ له، ثمَّ هو مُنْتَقِضٌ بما إذا دَفَعَ الوَدِيعةَ إلى إنسانٍ عارِيَّةً، أو هِبةً، أو وَدِيعةً لِنَفْسِه، فأمَّا إن دَفَعَ الوَديعةَ إلى مَنْ جَرَتْ عادَتُه [بحِفْظِ مالِه] (١٠) من أهلِه، كامْرأتِه وغُلامِه، لم يَضْمَنْ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: يَضْمَنُ؛ لأنَّه سَلَّمَ الوَدِيعةَ إلى مَنْ لم يَرْضَ به صاحِبُها، فضَمِنَها. كما لو سَلَّمها إلى أجْنَبِىٍّ. ولَنا، أَنَّه حَفِظَها بما يَحْفَظُ به مالَه، فأشْبَهَ ما لو حَفِظَها بنَفْسِه، وكما لو دَفَعَ الماشِيةَ إلى الراعِى، أو دَفَعَ البَهِيمةَ إلى غُلامِه لِيَسْقِيَها، ويُفارِقُ الأجْبَنِىَّ، فإنَّ دَفْعَها إليه لا يُعَدُّ حِفْظًا منه. الصُّورة الثانية، إذا كان له عُذْرٌ، مثل إن أرادَ سَفَرًا، أو خاف عليها عندَ نَفْسِه من حَرْقٍ أو غَرَقٍ أو غيرِه، فهذا إن قَدَرَ على رَدِّها على صاحِبِها أو وَكِيلِه فى قَبْضِها، لم يَجُزْ له دَفْعُها إلى غيرِه، فإن فَعَلَ ضَمِنَها؛ لأنَّه دَفَعَها إلى غيرِ مالِكِها بغيرِ إذْنِه (١١) من غيرِ عُذْرٍ، فضَمِنَها، كما لو أوْدَعها فى الصُّورةِ الأُولَى. وإن لم يَقْدِرْ على صاحِبها ولا وَكِيلِه، فله دَفْعُها إلى الحَاكمِ، سَواءٌ كان به ضَرُورةٌ إلى السَّفَرِ أو لم يَكُنْ؛ لأَنَّه مُتَبَرِّعٌ بإمْساكِها، فلا يَلْزَمُه


(٧) فى م: "فضمنه".
(٨) فى أزيادة: "أن".
(٩) فى أ، م: "يرجع".
(١٠) فى م: "بحفظها له".
(١١) فى م: "إذن منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>