للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك؛ لأنَّ الظَّاهرَ إرادَتُه به، ولأنَّ الزكاةَ إنَّما تُصْرَفُ إلى أحدِ رَجُلَيْنِ، مُحْتاجٍ إليها، كالفقراءِ والمساكينِ وفى الرِّقابِ والغارِمينَ لقضاءِ دُيُونِهِم، أو مَنْ يَحْتاجُ إليه المسلمونَ، كالعاملِ والغازِى والمُؤَلَّفِ والغارِمِ لإِصلاحِ ذات البَيْنِ. والحَجُّ من الفقيرِ لا نَفْعَ للمسلمينَ فيه، ولا حاجةَ بهم إليه، ولا حاجةَ به أيضًا إليه؛ لأنَّ الفقيرَ لا فرضَ عليه فيُسْقِطُه، ولا مَصْلحةَ له فى إيجابِه عليه، وتَكْلِيفُه مَشَقَّةٌ قد رَفَّهَه اللَّه منها، وخَفَّفَ عنه إيجابَها، وتَوْفيرُ هذا القدرِ على ذوِى الحاجةِ من سائرِ الأصْنافِ، أو دَفْعُه فى مصالحِ المسلمينَ أَوْلَى. وأمَّا الخبرُ فلا يَمْنَعُ أن يكونَ الحَجُّ من (٦) سَبِيلِ اللَّه، والمرادُ بالآية غيرُه؛ لما ذكَرْنا. وقال الشافعىُّ: يجوزُ الدَّفْعُ إلى مَنْ أراد الحَجَّ، لكَوْنِه ابنَ سبيلٍ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ ابنَ السَّبِيلِ المُسافِرُ المُنْقَطعُ به، ومَنْ (٧) هو مُحْتاجٌ إلى السّفَرِ، ولا حاجةَ بهذا إلى هذا السَّفَرِ. فإن قُلْنا: يُدْفَعُ فى الحَجِّ منها. فلا يُعْطَى إلَّا بشَرْطَيْنِ؛ أحدهما، أن يكونَ مِمَّنْ ليس له ما يَحُجُّ به سِوَاها؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٍّ، وَلَا لِذِى مِرَّةٍ سَوِىٍّ" (٨). وقال: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِىٍّ، إلَّا لِخَمْسةٍ" (٩). ولم يَذْكُرِ الحاجَّ منهم. ولأنَّه يأخُذُ لحاجَتِه، لا (١٠) لحاجةِ المسلمينَ إليه (١١)، فاعْتُبِرَتْ فيه الحاجةُ، كمَن يأخُذُهُ (١٢) لفَقْرِه. والثانى، أن يأخُذَه (١٣) لحَجَّةِ الفَرْضِ. ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه يحْتاجُ إلى إسْقاطِ فَرْضِه وإبْراءِ ذِمَّتِه، أمَّا التَّطَوُّعُ فله مَنْدُوحةٌ عنه. وقال القاضى: ظاهرُ كلامِ أحمدَ جوازُ ذلك فى الفَرْضِ والتَّطَوُّعِ معا. وهو ظاهرُ قولِ


(٦) فى ب: "فى".
(٧) فى م: "أو من".
(٨) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١٠٩.
(٩) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١٠٣.
(١٠) فى ب: "ولا".
(١١) سقط من: ب.
(١٢) فى الأصل، م: "يأخذ".
(١٣) فى ب، م: "يأخذ".

<<  <  ج: ص:  >  >>