للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجميعِ، بدليلِ أنَّه لا يجبُ تَعْميمُ كلِّ صِنْفٍ بها. وقد ذَكَرَ اللَّه تعالى فى آيةٍ أُخْرَى صَرْفَها إلى صنفٍ واحدٍ، فقال سُبحانَه: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (٢). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمُعاذٍ حين بَعَثه إلى الْيَمَنِ: "أعْلِمْهُم أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فى فُقَرَائِهِمْ". مُتَّفَقٌ عليه (٣). فلم يَذْكُرْ فى الآيةِ ولا فى (٤) الخبرِ إلَّا صِنْفًا واحدًا. وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقِبيصَةَ حين تَحَمّلَ حَمالةً: "أقِمْ يا قَبِيصَةُ، حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَةُ، فنَأْمُرَ لَكَ بِهَا" (٥). فذَكَرَ دَفْعَها إلى صِنْفٍ واحدٍ (٦)، وهو من الغارِمِينَ. وأمَرَ بنى زُرَيْقٍ بدَفْعِ صَدَقَتِهِم إلى سَلمةَ بن صَخْرٍ. روَاه أبو دَاودَ (٧). وهو شَخْصٌ واحدٌ. وَبعَثَ إليه علىٌّ رضى اللَّه عنه بِذُهَيْبةٍ فى تُرْبَتِها، فقَسَّمَها بين المُؤَلَّفةِ قُلُوبُهُم (٨)، وهم صِنْفٌ واحدٌ. والآثارُ فى هذا كثيرةٌ، تَدُلُّ على أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكُنْ يَعْتَقِدُ فى كلِّ صَدَقةٍ ثابِتَةٍ دَفْعَها إلى جميعِ الأصنافِ، ولا تَعْمِيمَهُم بها، بل كان يَدْفَعُها إلى مَنْ تَيَسَّرَ من أهْلِها، وهذا هو اللائقُ بحِكْمةِ الشَّرْعِ وحُسْنِه، إذ غيرُ جائزٍ أن يُكَلِّفَ اللَّه سبحانَه مَنْ وَجَبَتْ عليه شاةٌ، أو صاعٌ من البُرِّ، أو نِصْفُ مِثْقالٍ، أو خمسةُ دَرَاهِمَ، دَفْعَها إلى ثمانيةَ عشرَ نَفْسًا، أو أحدًا وعشرينَ، أو أربعةً وعشرينَ نَفْسًا، من ثمانيةِ أصنافٍ، لكلِّ ثلاثةٍ منهم ثُمْنُها، والغالبُ تَعَذُّرُ وُجُودِهم فى الإقْليمِ العظيمِ، وعَجْزُ السلطانِ عن إيصالِ مالِ بيتِ المالِ مع كَثْرتِه إليهم على هذا الوَجْهِ، فكيفَ يُكَلِّفُ اللَّه سُبْحانه وتعالى كلَّ مَنْ وَجَبَتْ عليه زكاةٌ جَمْعَهم


(٢) سورة البقرة ٢٧١.
(٣) تقدم تخريجه فى: ١/ ٢٧٥، ٤/ ٥.
(٤) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٥) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١١٩.
(٦) سقط من: م.
(٧) فى: باب فى الظهار، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود ١/ ٥١٣.
كما أخرجه الدارمى، فى: باب فى الظهار، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى ٢/ ١٦٣، ١٦٤. والإِمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٣٧.
(٨) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>