للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطانُ، إذا أَذِنَتْ له أن يَتَزَوَّجَها (٢)، فله ذلك، وهل له أن يَلِىَ (٣) طَرَفَىِ العَقْدِ بنَفْسِه؟ فيه روايتان؛ إحداهما، له ذلك. وهو قولُ الحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، ورَبِيعةَ، ومالكٍ، والثَّوْرىِّ، وأبى حنيفةَ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ الْمُنْذِرِ؛ لما رَوَى البُخارِىُّ (٤)، قال: قال عبدُ الرحمنِ بن عَوْفٍ، لأُمِّ حَكِيمٍ ابنةِ قارِظٍ: أتَجْعَلِينَ أمْرَكِ إلىَّ؟ قالتْ: نعم. قال: قد تَزَوّجْتُكِ. ولأنَّه يَمْلِكُ الإِيجابَ والقَبُولَ، فجاز أن يتَولَّاهُما، كما لو زَوَّجَ أمتَهَ عَبْده الصغيرَ، ولأنَّه عَقْدٌ وُجِدَ فيه الإِيجابُ من وَلِىٍّ ثابتِ الولايةِ، والقَبُولُ من زوجٍ هو أهلٌ للقَبُولِ، فصَحَّ، كما لو وُجِدَا من رَجُلَيْنِ. وقد رُوِىَ أَنَّ (٥) النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٦): أعْتَقَ صَفِيّةَ، وجَعَلَ عِتْقَها صَداقَها (٧). فإن قيل: فقد رُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كُلُّ نِكَاحٍ لم يَحْضُرْهُ أرْبعةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ: زَوْج، ووَلِىٌّ، وشَاهِدَانِ" (٧). قُلْنا: هذا لا نَعْرِفُ (٨) صِحّتَه، وإن صحَّ فهو مَخْصوصٌ بمَنْ زَوَّجَ أمَتَه عبدَه الصَّغيرَ، فيُخَصُّ منه محلُّ النِّزاعِ أيضًا. وهل يَفتَقِرُ إلى ذِكْرِ الإِيجابِ والقَبُولِ، أم يُكْتَفَى بمُجَرَّدِ الإِيجابِ؟ فيه وجهان؛ أحدهما، يَحْتاجُ أن يقولَ: زَوَّجْتُ نَفْسِى فلانةً، وقَبِلْتُ هذا النِّكاحَ. لأنَّ ما افْتَقَرَ (٩) إلى الإِيجابِ افْتَقَرَ (٩) إلى القَبُولِ، كسائرِ العُقُودِ. والثانى، يَكْفِيه أن يقول: زَوّجْتُ نفسِى فلانةً، أو تَزَوّجْتُ فلانةً. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ؛ لحديثِ عبدِ الرحمن بن عَوْفٍ، ولأنَّ إيجابَه يتَضَمّنُ القَبُولَ، فأشْبَهَ إذا تقدَّمَ الاسْتِدْعاءُ، ولهذا قُلْنا: إذا قال لأَمَتِه: قد (١٠) أعْتَقْتُكِ، وجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَداقَكِ. انْعَقَدَ (١١) النكاحُ


(٢) فى الأصل: "يزوجها".
(٣) فى م: "يتولى".
(٤) ق: باب إذا كان الولى هو الخاطب، من كتاب النكاح. صحيح البخارى ٧/ ٢١.
(٥) فى م: "عن".
(٦) فى م زيادة: "أنه".
(٧) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٤٨.
(٨) فى أ، م: "نعلم".
(٩) فى م: "يفتقر".
(١٠) سقط من الأصل.
(١١) فى أ، م: "ينعقد".

<<  <  ج: ص:  >  >>