للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: قَضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فى بَرْوَعَ بنت وَاشِقٍ، امرأةٍ مِنَّا، مثلَ ما قَضَيْتَ. أخْرَجه أبو داودَ، والترمِذى (٤)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ولأن القَصْدَ من النِّكاحِ الوُصْلَةُ والاسْتِمْتاعُ دُونَ الصداقِ، فصَحَّ من غيرِ ذِكْرِه، كالنَّفَقةِ. وسواءٌ تَرَكَا ذِكْرَ المَهْرِ، أو شَرَطا نَفْيَه، مثل أن يقولَ، زَوَّجْتُكَ بغير مهرٍ. فيقْبَلُه كذلك. ولو قال: زَوَّجْتكَ بغير مَهْرٍ فى الحال، ولا فى الثانى. صَحَّ أيضًا. وقال بعضُ الشَّافعيَّةِ: لا يَصِحُّ فى هذه الصُّورَةِ، لأنَّها تكونُ كالمَوْهُوبةِ. وليس بصحيحٍ؛ لأنَّه قد صَحَّ فيما إذا قال: زَوَّجْتُكَ بغير مَهْرٍ. فيَصِحُّ ههُنا؛ لأنَّ معناهما واحدٌ، وما صَحَّ فى إحْدَى الصُّورَتَيْنِ المُتَساوِيتَيْنِ، صَحَّ فى الأُخْرَى. وليست كالمَوْهُوبةِ؛ لأنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ، ويَجِبُ المهرُ. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّ المُزَوَّجةَ بغيرِ مَهْرٍ تُسَمَّى مُفَوِّضةً، بكَسْرِ الواو وفَتْحِها، فمن كَسَرَ أضافَ الفِعْلَ إليها على أنها فاعِلَة، مثل مُقَوِّمةٍ، ومن فَتَحَ أضافَه إلى وَلِيِّها. ومعنى التَّفْويض الإِهْمالُ، كأنها أهْمَلَتْ أَمْرَ المَهْرِ، حيث لم تُسَمِّه؛ ومنه قولُ الشاعر (٥):

لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَراةَ لهمْ ... ولا سَراةَ إذَا جُهَّالُهُم سَادُوا

يعنى مُهْمَلِين. والتَّفْويضُ على ضَرْبَيْنِ؛ تفويضُ بُضْعٍ، وتفويضُ مَهْرٍ. فأمَّا تفويضُ البُضْعِ، فهو الذى ذكَره الخِرَقِىُّ وفَسَّرْناه، وهو الذى يَنْصَرِفُ إليه إطلاقُ التَّفْويضِ، وأمَّا تَفْويضُ المَهْرِ، فهو أن يَجْعَلا (٦) الصَّداقَ إلى رَأى أحدِهما، أو رَأْى أجْنَبىٍّ، فيقول: زَوَّجْتُكَ على ما شِئْتَ، أو على حُكْمِكَ، أو على (٧) حُكْمِى، أو حُكْمِها، أو حُكمِ أجْنَبِىٍّ. ونحوه. فهذه لها مَهْرُ المِثْلِ، فى ظاهرِ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّها لم تُزَوِّجْ نَفْسَها إلا بصَداقٍ، لكنَّه مَجْهُولٌ، فسَقَطَ لجِهالَتِه، ووَجَبَ مهرُ


(٤) تقدم تخريجه فى: ٩/ ١٩٢.
(٥) هو الأفوه الأودى. والبيت فى ديوانه (الطرائف الأدبية) ١٠.
(٦) فى أ، م: "يجعل".
(٧) سقط من: الأصل، أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>