للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّوْرِىُّ، والأَوْزَاعىُّ، وعَطاءٌ، ومالكٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، قالوا: دِرْعٌ وخِمارٌ ومِلْحَفَةٌ. والرِّواية الثانية: يُرْجَعُ فى تقديرِها إلى الحاكمِ. وهو أحدُ قولى الشافعىِّ؛ لأنَّه أمْرٌ لم يَرِد الشَّرْعُ بتَقْدِيرِه، وهو ممَّا يَحْتاجُ إلى الاجْتهادِ، فيجبُ الرُّجُوعُ فيه إلى الحاكمِ، كسائرِ المُجْتهدَاتِ. وذكر القاضى، فى "المُجَرَّدِ" روايةً ثالثةً: أنها مُقَدَّرَةٌ بما يُصادِفُ نِصْفَ مهرِ المثلِ؛ لأنَّها بَدَلٌ عنه، فيَجِبُ أن تتَقَدَّرَ به. وهذه الرِّوايةُ تَضْعُفُ لِوَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أن نَصَّ الكتابِ يَقْتَضِى تقديرَها بحالِ الزَّوْجِ، وتقديرُها بنصْفِ [مَهْرِ المِثْلِ] (٣) يُوجِبُ اعتبارَها بحالِ المرأةِ؛ لأنَّ مهرَها مُعْتَبَرٌ بها لا بزَوْجِها. الثانى، أنَّا لو قَدَّرْناها بِنِصْفِ المهرِ [لَكانت نِصْفَ المهرِ] (٤)، إذ ليس المهرُ مُعَيَّنًا فى شىءٍ ولا المُتْعةُ. ووجهُ قولِ الخِرَقِىِّ قولُ ابنِ عباسٍ: أعْلَى المُتْعةِ الخادِمُ، ثم دُونَ ذلك الكُسْوَةُ. رواه أبو حَفْصٍ بإسْنادِه (٥). وقَدَّرَها بكُسْوةٍ تجوزُ لها الصلاةُ فيها؛ لأنَّ الكُسْوةَ الواجبةَ بمُطْلَقِ الشَّرْعِ تتَقَدَّرُ بذلك، كالكُسْوةِ فى الكَفَّارةِ، والسُّتْرةِ فى الصلاةِ. ورَوَى كُنَيْفٌ السُّلَمِىُّ، أنَّ عبدَ الرحمن بن عَوْفٍ طَلَّقَ امرأتَهُ تُماضِرَ الكَلْبِيّةَ، فَحَمَّمَها بجارِيةٍ سَوْداءَ. يعنى مَتَّعَها (٦). قال إبراهيمُ النَّخعِىُّ: العَرَبُ تُسَمِّى المُتْعةَ التَّحْمِيمَ. وهذا فيما إذا تَشَاحَّا فى قَدْرِها، فإن سَمَحَ لها بزيادةٍ على الخادِمِ، أو رَضِيَتْ بأقلَّ من الكُسْوةِ، جاز؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما، وهو ممَّا يجوزُ بَذْلُه، فجاز ما اتّفَقَا عليه، كالصَّداقِ. وقد رُوِىَ عن الحَسنِ بن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنهما، أنَّه مَتَّعَ امرأةً بعَشْرةِ آلافِ دِرْهمٍ، فقالت:

* مَتَاعٌ قَلِيلٌ من حَبِيبٍ مُفارِقِ (٧) *


(٣) فى الأصل، أ: "المهر".
(٤) سقط من: ب.
(٥) وأخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب ما قالوا فى أرفع المتعة وأدناها، من كتاب الطلاق. المصنف ٥/ ١٥٦، ١٥٧.
(٦) أخرجه أبو عبيد، فى غريب الحديث ٤/ ١٥.
(٧) أخرجه الدارقطنى، فى كتاب الطلاق والخلع والإيلاء. سنن الدارقطنى ٤/ ٣١. والبيهقى، فى: باب ما جاء فى إمضاء الطلاق الثلاث وإن كنّ مجموعات، من كتاب الطلاق. السنن الكبرى ٧/ ٣٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>