كتاب المغني لابن قدامة - ت التركي

كتاب الوليمة - ١٢٢١ - مسألة؛ قال: (والنثار مكروه؛ لأنه شبه النهبة، وقد يأخذه من غيره أحب إلى صاحب النثار منه) - ج: 10 - ص: 209

"مَنْ شَاءَ اقْتَطعَ". رواه أبو داودَ (٣). وهذا جارٍ مَجْرَى النِّثارِ، وقد رُوِىَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دُعِىَ إلى وَلِيمةِ رجلٍ مِن الأنصارِ، ثمْ أُتُوا بنَهْبٍ فأُنهِبَ عليه. قال الرَّاوى: ونظرتُ إلى رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُزَاحِمُ النَّاسَ ويَحْثُو (٤) ذلك. قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أو مَا نَهَيْتَنا عن النُّهْبَةِ؟ فال: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْعَسَاكِرِ" (٥). ولأنَّه نوعُ إباحةٍ فأشبَهَ إباحةَ الطَّعامِ للضِّيفَانِ. ولَنا، ما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لَا تَحِلُّ النُّهْبَى (٦) وَالْمُثْلَةُ". روَاه البُخارِىُّ (٧). وفى لفظٍ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن النُّهْبَى وَالْمُثلَةِ. ولأنَّ فيه نَهْبًا، وتَزاحُما، وقِتالًا، ورُبَّما أخَذَه مَن يَكْرَهُ صاحِبُ النِّثارِ، لحِرْصِه وشَرَهِه ودَناءةِ نفْسِه، ويُحْرَمُه مَن يُحِبُّ صاحبُه؛ لمُروءتِه وصِيَانةِ نفسِه وعِرْضِه، والغَالِبُ هذا، فإنَّ أهلَ المُروآتِ يصُونونَ أنفسَهُمْ عن مُزَاحمةِ سَفِلَةِ النَّاسِ على شىءٍ مِن الطَّعامِ أو غيرِه، ولأنَّ فى هذا دَناءةً، واللَّه يحبُّ مَعالِىَ الأمورِ، ويَكْرَهُ سَفْسَافَها. فأمَّا خبرُ البَدَنَاتِ؛ فيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- علمَ أنَّه لا نُهْبةَ فى ذلك؛ لكَثْرةِ اللَّحْمِ، وقِلَّةِ الآخذِيْنَ، أو فعَلَ ذلك لاشْتغالِه بالمَناسِك عن تَفْريقِها. وفى الجملةِ، فالخلافُ إنَّما هو فى كَراهِيَةِ ذلك، وأمَّا إباحتُه (٨) فلا خلافَ فيها، ولا فى الالْتِقاطِ؛ لأنَّه نَوْعُ إباحةٍ لمالِه، فأشْبَهَ سائرَ الإِباحاتِ.

---

(٣) تقدم تخريجه فى: ٥/ ٣٠١.
(٤) فى ب، م: "أو نحو".
(٥) أخرج نحوه الطحاوى، فى: باب انتهاب ما ينثر على القوم. . .، من كتاب النكاح. شرح معانى الآثار ٣/ ٥٠.
(٦) فى أ: "النهبة".
(٧) فى: باب النهى بغير إذن صاحبه، من كتاب المظالم، وفى: باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة، من كتاب الذبائح. صحيح البخارى ٣/ ١٧٨، ٧/ ١٢٢.
كما أخرجه، أبو داود، فى: باب فى النهى عن النهبى. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٦٠. والنسائى، فى: باب النتف، من كتاب الزينة. المجتبى ٨/ ١٢٣. وابن ماجه، فى: كتاب النهى عن النهبة، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه ٢/ ١٢٩٩. والدارمى، فى: كتاب ما لا يؤكل من السباع، وباب النهى عن النهبة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى ٢/ ٨٥، ٨٨. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٣٢٥، ٣/ ١٤٠، ٣٢٣، ٤/ ١١٧، ١٣٤، ١٣٥، ١٩٤، ٣٠٧، ٥/ ١٩٣، ١٩٥، ٦/ ٤٤٥.
(٨) فى الأصل: "الإباحة".