للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحَّ الخُلْعُ، فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم أبو حنيفةَ، والثَّورِىُّ، ومالكٌ، والأوْزَاعىُّ، والشَّافعىُّ. ويَحْتَمِلُ كلامُ أحمدَ تَحْريمَه؛ فإنَّه قال: الخُلْعُ مثلُ حديثِ سَهْلَةَ، تَكْرهُ الرَّجلَ فتُعْطِيه المهرَ، فهذا الخُلعُ. وهذا يدلُّ على (٣) أنَّه لا يكونُ الخُلْعُ صحيحًا إلَّا فى هذه الحالِ. وهذا قولُ ابن المُنْذِرِ، وداودَ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: ورُوِىَ معنى ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وكثيرٍ من أهل العلمِ؛ وذلك لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. [وهذا صَرِيحٌ فى التَّحْرِيمِ إذا لم يخافا ألَّا يُقيمَا حُدُودَ اللَّهِ، ثم قال] (٤): {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. فدلَّ بمفهومِه على أنّ الجُناحَ لاحِقٌ بهما إذا افتدتْ مِن غيرِ خوفٍ، ثم غلَّظَ بالوعيدِ فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٥). ورَوىَ ثَوْبَانُ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرَأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ، مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ". رَوَاه أبو داودَ (٦). وعن أبى هريرةَ عن النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْمُخْتَلِعَاتُ والْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ" رَواه أبو حفصٍ، وروَاه أحمدُ، فى "المسندِ" (٧)، وذكره مُحْتجًّا به، وهذا يدل على تَحْريمِ المُخالَعَةِ لغيرِ حاجةٍ، ولأنَّه إضْرارٌ بها وبزَوْجِها، وإزالةٌ لمصالحِ النِّكاحِ من غيرِ حاجةٍ، فحُرِّمَ؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (٨). واحتجَّ مَن


(٣) سقط من: ب، م.
(٤) سقط من: ب، م.
(٥) سورة البقرة ٢٢٩.
(٦) فى: باب فى الخلع، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود ١/ ٥١٦.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المختلعات، من كتاب الطلاق. عارضة الأحوذى ٥/ ١٦٢، ١٦٣. وابن ماجه، فى: باب كراهية الخلع للمرأة، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه ١/ ٦٦٢. والدارمى، فى: باب النهى عن أن تسأل المرأة زوجها طلاقها، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى ٢/ ١٦٢. والإِمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢٨٣.
(٧) فى: ٢/ ٤١٤.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المختلعات، من كتاب الطلاق. عارضة الأحوذى ٥/ ١٦٢. والنسائى، فى: باب ما جاء فى الخلع، من كتاب الطلاق. المجتبى ٦/ ١٣٨.
(٨) فى أ: "إضرار". وتقدم تخريجه فى: ٤/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>