لا يَحْتمِلُ فلا، فإنَّا لو عَمِلْنا به فيما لا يَحْتمِلُ، كان عملًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، ومُجرَّدُ النِّيَّةِ لا تَعْمَلُ فى نكاحٍ، ولا طَلاقٍ، ولا بَيْعٍ. ولو قال: نِسائِى الأربعُ طوالقُ. أو قال لهن: أربَعَتُكُنَّ طوالقُ. واسْتثْنَى بعضَهُنَّ بالنِّيَّةِ، لم يُقبَلْ، على قياسِ ما ذكَرْناه، ولا يَدِينُ فيه؛ لأنَّه عَنَى باللفظِ ما لا يَحْتمِلُ. الضَّربُ الثالثُ، ما يَصحُّ نُطقًا، وإذا نَوَاه دِينَ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالى، وذلك مثلُ تَخْصيص اللَّفظِ العامِّ، أو اسْتعْمالِ اللَّفظِ فى مَجازِه، مثل قولِه: نِسائِى طوالقُ. يُريدُ بعضَهُنَّ، أو يَنْوِى بقولِه: طالقٌ. أى مِن وَثَاقٍ (٣)، فهذا يُقْبَلُ إذا كان لفظًا. وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّه وَصَلَ كلامَه بما بيَّنَ مُرادَه، وإن كان بِنِيَّتِه، قُبِلَ فيما بينه وبينَ اللَّهِ تعالى؛ لأنَّه أرادَ تخْصيصَ اللَّفظِ العامِّ، واسْتعمالَه فى الخُصوصِ، وهذا سائغٌ فى اللُّغةِ، شائعٌ فى الكلام، فلا يُمْنَعُ مِنِ استعمالِه والتَّكَلُّمِ به، ويَكونُ اللَّفظُ بِنِيَّتِهِ مُنْصرِفًا إلى ما أرادَه، دونَ ما لم يُرِدْه. وهل يُقبَلُ ذلك فى الحُكْمِ؟ يُخَرجُ على روايتَيْنِ؛ إحداهما، يُقبَلُ؛ لأنَّه فسَّرَ كلامَه بما يَحْتمِلُه، فصحَّ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ، أنت طالقٌ. وأرادَ بالثَّانيةِ إفْهامَها. والثَّانيةُ، لا يُقبَلُ؛ لأنَّه خلافُ الظَّاهرِ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ. ومِنْ شَرْطِ هذا أن تَكونَ النِّيَّةُ مُقارَنةً للَّفْظِ، وهو أن يقول: نسائِى طوالقُ. يَقصِدُ بهذا اللفظِ بعضَهُنَّ، فأمَّا إن كانت النِّيَّةُ مُتأخِّرةً عن اللَّفظِ، فقال: نسائِى طوالقُ. ثم بعدَ فراغِه نَوَى بقلبِه بعضَهُنَّ، لم تَنْفعْه النِّيَّةُ، ووقعَ الطَّلاقُ بجميعِهِنَّ. وكذلك لو طلَّقَ نساءَه، وَنوى بعد طلاقِهِنَّ، أىْ مِن وَثاقٍ، لَزِمَه الطَّلاقُ؛ لأنَّه مُقْتَضَى اللَّفظِ، والنِّيَّةُ الأخيرةُ نِيَةٌ مُجرَّدةٌ، لا لفظَ معها، فلا تَعْمَلُ. ومن هذا الضَّرْبِ تخْصيصُ حالٍ دونَ حالٍ، مثل أن يقولَ: أنتِ طالقٌ. ثم يَصِلُه بشرطٍ أو صِفةٍ، مثلَ قولِه: إن دخلتِ الدَّارَ، أو بعدَ شهرٍ، أو قال: إن دخلتِ الدَّار بعدَ شهرٍ. فهذا يَصِحُّ إذا كان نُطْقًا، بغيرِ خلافٍ. وإن نَوَاه، ولم يَلْفِظْ به دِينَ: وهل يُقبَلُ فى الحُكْمِ؟ على روايتَيْنِ. قال، فى روايةِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ، فى من حَلَفَ لا