للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنَّفْىِ بواحدٍ من هذه الحروفِ، كانت "إنْ" على التَّراخِى، ومَتَى، وأىّ، ومَن، وكُلَّمَا، على الفَوْرِ؛ لأنَّ قولَه: مَتَى دخلتِ فأنتِ طالقٌ. يَقْتضِى أىَّ زمانٍ دخلتِ فأنتِ طالقٌ. وذلك شائعٌ فى الزَّمانِ كلِّه، فأىّ زمنٍ دَخَلَتْ وُجِدَتِ الصِّفةُ. وإذا قال: متى لم تَدْخُلِى فأنتِ طالقٌ. فإذا مضى عَقِيبَ اليمين زمنٌ لم تَدْخُلْ فيه، وُجِدَتِ الصِّفةُ؛ لأنَّها (١٠) اسمٌ لوقتِ الفعْلِ، فيُقَدَّرُ به، ولهذا يَصِحُّ السُّؤالُ به، فيُقَالُ: متى دَخَلْتِ؟ أَىْ: أىّ وقتٍ دخلتِ. وأمّا "إنْ" فلا تَقْتضِى وقتًا، فقولُه: إن لم تَدخُلى. لا يَقْتضِى وقتًا، إلا ضرورةَ أَنَّ الفعلَ لا يَقَعُ إلَّا فى وقتٍ، فهى مُطْلَقَةٌ فى الزَّمانِ كلِّه. وأمَّا إذا، ففيها (١١) وجهانِ؛ أحدُهما، هى على التَّراخِى. وهو قولُ أبى حنيفةَ. ونَصَرَه القاضى؛ لأنَّها تُسْتعمَلُ شَرْطًا بمعنى إنْ، قالَ الشَّاعرُ (١٢):

اسْتَغْنِ مَا أغْنَاكَ رَبُّك بالغِنَى ... وإذا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ (١٣)

فجَزَمَ بها كما يَجزمُ بإنْ، ولأنَّها تُسْتعمَلُ بمعنى متى وإِنْ، وإذا احْتَمَلَتِ الأمْرَيْنِ، فاليقينُ بقاءُ النِّكاحِ، فلا يَزولُ بالاحْتمالِ. والوجهُ الآخَرُ أنَّها على الفَوْرِ. وهو قولُ أبى يوسفَ، ومحمدٍ. وهو المنصوصُ عن الشّافعىِّ؛ لأنَّها اسمٌ لزمنٍ مُستَقْبَلٍ، فتَكونُ كمتى. وأمَّا المُجازَاةُ بها فلا تُخرِجُها عن موضوعِها، فإنّ متى يُجازَى بها، ألا تَرَى إلى (١٤) قولِ الشَّاعرِ (١٥):

مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِه ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيرُ مُوقِدِ

و"مَنْ" يُجازَى بها أيضًا، وكذلك "أىّ" وسائرُ الحروفِ، وليس فى هذه الحروفِ ما


(١٠) فى أ، ب، م: "فإنها".
(١١) فى ب، م: "ففيه".
(١٢) هو عبد قيس بن خُفَاف البُرْجُمِىُّ، من بنى عمرو بن حنظلة من البراجم، أو حارثة بن بدر الغدانى. والبيت فى المفضليات ٣٨٥. وانظر معجم شواهد العربية ٣١٩.
(١٣) سقط صدر البيت من: الأصل، أ.
(١٤) سقط من: ب، م.
(١٥) هو الحطيئة. والبيت فى ديوانه ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>