للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: إن دخَلْتِ الدَّارَ أنتِ (٢١) طالقٌ. لم تَطْلُقْ حتى تَدخُلَ. وبه قال بعضُ الشّافعيَّةِ. وقال محمَّدُ بنُ الحسنِ: تَطْلُقُ فى الحالِ؛ لأنَّه لم يُعَلِّقْه بِدُخولِ الدَّارِ؛ لأنَّه إنَّما يُعلَّقُ (٢٢) بالفاءِ، وهذه لا فاءَ فيها، فيكونَ كلامًا مُستأنَفًا غيزَ مُعَلَّقٍ بشَرْطٍ، فيَثْبُتَ حُكمُه فى الحالِ. ولَنا، أنَّه أتَى بحَرْفِ الشَّرْطِ، فيَدُلُّ ذلك على أنَّه أراد التَّعْليقَ به، وإنَّما حذَفَ الفاءَ وهى مُرَادةٌ، كما يُحْذَفُ المبتداُ تارةً، ويُحْذَفُ الخبرُ أُخْرَى، لدَلالةِ باقى الكلامِ على المحذوفِ، ويَجوزُ أن يَكونَ حَذْفُ الفاءِ على التَّقْديمِ والتَّأْخيرِ، فكأنَّه أرادَ: أنتِ طالقٌ إن دَخَلْتِ الدَّارَ. فقَدَّمَ الشَّرطَ، ومُرادُه التَّأخيرُ، ومَهْما أمْكَنَ حملُ كلامِ العاقلِ على فائدةٍ، وتَصْحيحُه عَنِ الفسادِ، وَجَبَ، وفيما ذكَرْنا تَصحيحُه، وفيما ذكَرُوه إلْغاؤُه. وإن قال: أردتُ الإِيقاعَ فى الحالِ. وقَعَ؛ لأنَّه يُقِرُّ على نفسِه بما هو أغْلَظُ. وإن قال: أنتِ طالقٌ وإن دخلتِ الدَّارَ. وقعَ الطَّلاقُ فى الحالِ؛ لأنَّ معناه أنتِ طالقٌ فى كلِّ حالٍ، ولا يَمنعُ من ذلك دخولُك الدَّارَ، كقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ" (٢٣). وقال: "صلْهُمْ وإِنْ قَطَعُوكَ، وَأَعْطِهِمْ وَإِنْ حَرَمُوكَ (٢٤) ". وإن قال: أردتُ الشَّرْطَ، دِينَ. وهل يُقْبَلُ فى الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ على روايتَيْنِ. فإذا قال: إن دخلْتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ وإن دَخَلَتِ الأُخْرَى.


(٢١) فى ب، م: "فأنت".
(٢٢) فى الأصل، أ: "يتعلق".
(٢٣) أخرجه البخارى، فى: باب فى الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه، من كتاب الجنائز، وفى: باب الثياب البيض، من كتاب اللباس، وفى: باب من أجاب بلبيك وسعديك، من كتاب الاستئذان، وفى: باب المكثرون هم المقلون، وباب قول النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أحب أن لى مثل أحد ذهبا"، من كتاب الرقاق، وفى: باب كلام الرب مع جبريل ونداء اللَّه الملائكة، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى ٢/ ٨٩، ٩٠، ٧/ ١٩٢، ١٩٣، ٨/ ٧٥، ١١٧، ١١٨، ٩/ ١٧٤. ومسلم، فى: باب من مات لا يشرك. . .، من كتاب الإِيمان، وفى: باب الترغيب فى الصدقة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ١/ ٩٤، ٩٥، ٢/ ٦٨٨، ٦٨٩.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ١٥٢، ١٥٩، ١٦١، ١٦٦.
(٢٤) فى أ: "منعوك".
وأخرج نحوه الحاكم، فى: كتاب البر والصلة. المستدرك ٤/ ١٦٢. وعبد الرزاق، فى: باب صلة الرحم، من كتاب الجامع. المصنف ١١/ ١٧٢، ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>