للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثًا، فهى ثلاثٌ؛ لأنَّه يُعَبَّرُ بفى عن "مع"، كقوله: {فَادْخُلِى فِى عِبَادِي} (١٢). فتقديرُ الكلامِ، أنتِ طالقٌ طلقةً مع طلقتَيْنِ. فإذا أقرَّ بذلك على نفسِه، قُبِلَ منه. وإن قال: أردتُ واحدةً. قُبِلَ أيضًا، حاسبًا كان أو غَيْرَ حاسبٍ. وقال القاضى: إذا كان عارفًا بالحسابِ.، لم يُقْبَل منه، ووقَعَ طَلْقتانِ؛ لأنَّه خلافُ ما اقْتضاه اللَّفْظُ. ولَنا، أنَّه فَسَّر كلامَه بما يَحْتَمِلُه، فإنَّه لا يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ بكلامِه ما يريدُه العامِّىُّ. وإِنْ لم تَكُن له نِيَّةٌ، وكان عارفًا بالحسابِ، وَقَعَ طَلْقَتانِ. وقال الشَّافِعِىُّ (١٣): إنْ أطْلَقَ، لم يَقَع إلَّا واحدةٌ؛ لأنَّ لفْظَ الإِيقاعِ إنمَّا هو لَفْظُ (١٤) الواحدةِ، وما زادَ عليها لم يَحْصُل فيه لفظُ الإِيقاعِ، وإنَّما يَقَعُ الزَّائِدُ بالقَصْد، فإذا خَلا عن القَصْدِ، لم يَقَعْ إلَّا ما أوْقَعَه. وقال بعضُ أصْحابِه كَقَوْلِنا. وقال أبو حنيفةَ: لا يَقَعُ إلَّا واحدةٌ، سواءٌ قَصَدَ به الحِسابَ أَوْ لَم يَقْصِدْ، اذا لم يَقْصِدْ به واحدةً مع اثْنَتَيْنِ؛ لَأَنَّ الضَّرْب إنَّما يَصِحُّ فيما لَهُ مِسَاحةٌ، فَأَمَّا ما لا مِسَاحَةَ له فلا حَقِيقَةَ فيه للحِسَابِ، وإنَّما حَصَلَ منه الإِيقاعُ فى وَاحِدَةٍ، فوَقَعَتْ دُونَ (١٥) غيرِها. ولَنا، أَنَّ هذا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ فى اصْطِلاحِهِمْ لِاثْنَتَيْنِ، فَإذَا لَفَظَ به وأَطْلَقَ، وَقَعَ، كما لو قال: أنْتِ طالقٌ اثْنَتَيْنِ. وبهذا يَحْصُلُ الانْفِصَالُ عمَّا قالَه الشَّافِعِىُّ، فإنَّ اللفظَ الموضوعَ لا يُحْتَاجُ مَعَه إلى نِيَّةٍ. فأمَّا ما قالَه أبو حنيفة، فإنَّما ذلك فى وَضْعِ الحِسَابِ فِى الأصْلِ، ثُمَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِى كُلِّ مَالَه عَدَدٌ، فَصَارَ حَقِيقَةً فيه، فأمَّا الجاهِلُ بِمُقْتَضَى ذلك فى الحِسابِ إذا أطْلَقَ، وَقَدَت طَلْقَة وَاحِدَةٌ؛ لِأن لَفْظَ الإِيقاعِ إنَّما هو [لَفْظَة واحِدَة] (١٦)، وإنَّما صَارَ مَصْرُوفًا إلى الاثْنَتَيْنِ بِوَضْعِ أَهْلِ الحِسابِ. واصْطِلَاحِهِمْ، فَمَنْ لا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهم لا يَلْزَمُه مُقْتَضَاه، كَالْعَرَبِىِّ


(١٢) سورة الفجر ٢٩.
(١٣) فى م: "القاضى". خطأ.
(١٤) فى م: "بلفظ".
(١٥) سقط من: م.
(١٦) فى أ: "لفظ واحد".

<<  <  ج: ص:  >  >>