للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنْتِ طالِقٌ. فقال القاضى: قِياسُ الْمَذْهَبِ، أنَّه يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِىَ عَيْنَ الْمَاءِ الذى هى فيه؛ لأَنَّ إطْلاقَ يَمِينِهِ يَقْتَضِى خُرُوجَها مِن النَّهرِ أَو إِقامَتَها فيه. وقال أبو الخَطَّابِ: لا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَحْلُوفَ عليه جَرَى عنها، وصارَتْ فى غَيْرِهِ، فلم يَحْنَثْ، سَوَاءٌ أقَامَتْ أو خَرَجَتْ؛ لأنَّها إِنَّما تَقِفُ فى غَيْرِه أو تَخْرُجُ منه. كذلك قال القاضى، فى "المُجرَّد". وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الْأَيْمانَ عندهم تَنْبَنِى على اللَّفْظِ، لا على القَصْدِ، وكذلك قالوا: لا يَحْنَثُ فى هذه الأَيْمانِ السَّابقَةِ كُلِّهَا. ولو قال: إِنْ كانتْ امْرَأَتِى فى السُّوقِ، فعَبْدِى حُرٌّ، وإن كانَ عَبْدِى فى السُّوق، فامْرَأتِى طالِقٌ. فكانا جَمِيعًا فى السُّوقِ، فقِيلَ: يَعْتِقُ الْعَبْدُ، ولا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّه لَمَّا حَنِثَ فى اليَمِينِ الأُولَى، عَتَقَ الْعَبْدُ، فلم يَبْقَ له فِى السُّوقِ عَبْدٌ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَحْنَثَ؛ بِنَاءً على قَوْلِنَا فى مَن حَلَفَ على مُعَيَّنٍ تَعَلَّقَتِ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ دُونَ صِفَتِهِ، كمَنْ قال: إِنْ كَلَّمْتِ عَبْدِى سَعْدًا، فأنْتِ طالِقٌ. ثمَّ أعْتَقَهُ، وَكَلَّمَتْهُ، طَلُقَتْ، فكذلك ههُنا؛ لأنَّ يَمِينَه تَعَلَّقَتْ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ. وإِنْ لَمْ يُرِدْ عَبْدًا بعَيْنِه، لم تَطْلُقِ الْمَرْأَةُ؛ لِأنَّهُ لم يَبْقَ له عَبْدٌ فى السُّوقِ. ولو كان فى فِيهَا تَمْرَةٌ، فقال: أنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَكَلْتِهَا، أو أَلْقَيْتِهَا، أَو أَمْسَكْتِهَا. فأَكَلَتْ بَعْضَها، وأَلْقَتْ بَعْضَها، لم يَحْنَثْ إِلَّا على قَوْلِ مَن قال: إِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ بعض الْمَحْلُوفِ عليه. وإِنْ نَوَى الْجَمِيعَ، لم (٣٠) يَحْنَثْ بِحَالٍ. ولو كانتْ عِنْدَهُ وَدِيعَة لإِنْسانٍ، فأحْلَفَهُ ظَالِمٌ أَنْ ليس لِفُلانٍ عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ، فإنَّهُ يَحْلِفُ: ما لِفُلَانٍ عِنْدِى وَدِيعَةٌ. وَيَنْوِى بما "الَّذى"، وَيَبَرُّ فى يَمِينِهِ. وكذلك لو سَرَقَتِ امْرَأَتُهُ منه شَيْئًا، فحَلَفَ عليها بِالطَّلاقِ: لَتَصْدُقِنِّى (٣١) أَسَرَقْتِ مِنِّى أم لا؟ وَخَافَتْ أَنْ تَصْدُقَهُ، فإنَّهَا تقولُ: سَرَقْتُ منكَ ما سَرَقْتُ منكَ. وتَعْنِى الَّذِى سَرَقْتُ مِنْكَ (٣٢): ولو اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ: هَلْ رَأَيْتَ فُلَانًا أو لا؟ فإنَّه يَعْنِى بِرَأَيْت، أى ضَرَبْتُ رِئَتَهُ. وذَكَرْتُه، أى قَطَعْتُ ذِكْرَهُ. وما طَلَبْتُ منه حَاجَةً. أى الشَّجَرَةَ الَّتى حَبَسَهَا الْحَاجُّ. ولا أَخَذْتُ مِنْهُ فرُّوجًا. يَعْنِى


(٣٠) سقط من: أ، ب، م.
(٣١) فى الأصل: "لتصدقى".
(٣٢) فى ب: "منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>