للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمينٍ؛ لِأنَّه نَذْرُ لَجاجٍ وغَضَبٍ، فهذا حُكْمُه. وإن عَلَّقَ طلاقَها الثَّلاثَ بِوَطْئِها، لم يُؤْمَرْ بالفَيْئَةِ، وأُمِرَ بالطَّلاقِ؛ لأنَّ الوطءَ غيرُ مُمْكِنٍ؛ لِكَوْنها تَبِينُ منه بإيلَاجِ الحَشَفَةِ، فيصيرُ مُسْتَمْتِعًا بأجْنَبِيَّةٍ. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشَّافِعِىِّ. وأكثرُهم قالوا: تجوزُ الفَيْئَةُ؛ لأنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ للوطءِ، وتَرْكُ الوَطْءِ ليس بوَطْءٍ. وقد ذَكَرَ القاضى أَنَّ كلامَ أحمدَ يقْتَضِى روايَتَيْنِ، كهذَيْنِ الوَجْهَيْنِ. واللائِقُ بمذهبِ أحمدَ تَحْرِيمُه؛ لوجوهٍ ثَلاثةٍ، أحدُها أنّ آخِرَ الوَطْءِ حَصَلَ فى أجنبيةٍ كما ذكرْنا؛ فإنَّ النَّزْعَ يُلْتَذُّ به كما يُلْتَذُّ بالإِيلاجِ، فيكونُ فى حُكْمِ الوَطْءِ، ولذلك قُلْنا فى مَن طَلَعَ عليه الفجرُ وهو مُجامِعٌ، فنزَع: أنَّه يُفْطِرُ. والتَّحْريمُ ههُنا أوْلَى؛ لأنّ الفِطْرَ بالوَطْءِ. ويُمْكِنُ مَنْعُ كَونِ النَّزعِ وَطْئًا، والمُحْرَّمُ ههُنا الاسْتِمْتاعُ، والنَّزْعُ اسْتِمْتاعٌ، فكان مُحرَّمًا، ولِأَنَّ لَمْسَها على وَجْهِ التَّلَذُّذِ بها مُحَرَّمٌ، فلَمْسُ الفَرْجِ بالفَرْجِ أوْلَى بالتَّحْريمِ. فإنْ قيل: فهذا إنَّما يَحْصُلُ ضرورةَ تَرْكِ الوطءِ المحرَّمِ. قُلْنا: فإذا لم يُمْكِنِ الوَطْءُ إلَّا بفِعْلِ مُحَرَّمٍ حُرِّمَ ضرورةَ تَرْكِ الحرامِ. كما لو اختلطَ لَحْمُ الخِنزيرِ بلحمٍ مُباحٍ, لا يُمْكِنُه أَكْلُه إلَّا بأَكْلِ لحمِ الخنزيرِ، حُرِّمَ، ولو اشتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ، أو امرأتُه بأجْنبيَّةٍ، حُرِّمَ الكُلُّ. الوَجْهُ الثانى, أنَّه بالوَطْءِ يَحْصُلُ الطَّلاقُ بعدَ الإِصابةِ، وهو طلاقُ بِدْعَةٍ، وكما يَحْرُمُ إيقاعُه بلسانِه، يَحْرمُ تحقيقُ سَبَبِه. الثالث، أنَّه (٧) يَقَعُ به طلاقُ البِدْعةِ مِن وَجْهٍ آخَرَ، وهو جَمْعُ (٨) الثَّلاثِ، فإنْ وَطِىءَ، فعليه أَنْ يَنْزِعَ حين (٩) يُولِجُ الحَشَفَةَ، ولا يزيدَ على ذلك، ولا يَلْبَثَ ولا يتحرَّكَ عند النَّزْعِ؛ لِأنَّها أجْنبيَّةٌ، فإذا فعلَ ذلك، فلا حَدَّ ولا مَهْرَ؛ لِأنَّه تاركٌ للوطءِ، وإِنْ لَبِثَ أو تَمَّمَ الإِيلاجَ، فلا حَدَّ عليه، لتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ منه، لكَوْنِه وَطْئًا بَعْضُه فى زَوْجتِه، وفى المهرِ وَجْهانِ؛ أحدُهما، يلزمُه؛ لأنَّه حَصَلَ منه وطءٌ مُحَرَّمٌ فى مَحلٍّ غيرِ مَمْلوكٍ، فأوجبَ المهرَ، كما لو أوْلَجَ بعدَ النَّزعِ. والثانى،


(٧) فى أ، ب، م: "أن".
(٨) فى أ: "بجمع".
(٩) فى ب: "حتى".

<<  <  ج: ص:  >  >>