فإن ذلك رُخْصَةٌ، فافْتَقَرَ إلى نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالمتابَعَةِ بين الرَّكَعاتِ. وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أَنَّ الصَّائِمَةَ مُتَتابِعًا، إذا حَاضَتْ قَبْلَ إتْمامِه، تَقضِى إذا طَهُرَتْ، وتَبْنِى. وذلك لأنَّ الحَيْضَ لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه فى الشَّهْرَيْنِ إِلَّا بتَأْخِيرِه إلى الإِياسِ، وفيه تَغْرِيرٌ بالصَّوْمِ؛ لأنَّها رُبَّما ماتَتْ قبله. والنِّفاسُ كالحَيْضِ، فى أنَّه لا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَتِه فى أَحْكامِه، ولأنَّ الفِطْرَ لا يَحْصُلُ فيهما بِفِعْلِهما، وإنَّما ذلك الزَّمانُ كزَمانِ اللَّيْلِ فى حقِّهِما. والوَجْهُ الثَّانِى، أَنَّ النَّفاسَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ؛ لأنَّه فِطْرٌ أمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْه، لا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ. فقَطَعَ التَّتَابُعَ، كالفِطْرِ لغَيرِ عُذْرٍ. ولا يَصِحُّ قِياسُه على الحَيْضِ؛ لأنَّه أنْدرُ مِنْه، ويُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. وإِنْ أفْطَرَ لِمَرَضٍ مَخوُفٍ، لم يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ أيضًا. رُوِىَ ذلك عن ابْنِ عبَّاسٍ. وبه قال ابنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، وعَطاءٌ، والشَّعْبِىُّ، وطاوُسُ، ومُجاهِدٌ، ومالِكٌ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، والشَّافِعِىُّ فى القَدِيمِ. وقال فى الجَدِيدِ: يَنْقَطِعُ التَّتابُعُ. وهذا قَوْلُ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىِّ، والحَكَمِ، والثَّوْرِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه أفْطَرَ بِفِعْلِه، فَلَزِمَه الاسْتِئْنافُ، كما لو أفْطَرَ لِسَفَرٍ. ولَنا، أنَّه أفْطَرَ لِسَبَبٍ (٦) لا صُنْعَ له فيه، فَلَم يَقْطَعِ التَّتَابُعَ، كإفْطارِ المَرْأةِ للحَيْضِ. وما ذَكَرُوه مِن الأصْلِ مَمْنُوعٌ. وإِنْ كانَ المرَضُ غيرَ مَخُوفٍ، لكنَّه يُبِيحُ الفِطْرَ، فقال أبو الخَطَّابِ: فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ؛ لأنَّه مَرَضٌ أَبَاحَ الفِطْرَ، أشْبَهَ المَخوفَ. والثانى، يَقْطَعُ التَّتابُعَ؛ لأنَّه أفْطَرَ اخْتِيارًا، فانْقَطَعَ التَّتابُعُ، كما لو أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ. فأمَّا الحامِلُ والمُرضِعُ، فإنْ أفْطَرَتا خَوْفًا على أنْفُسِهِما، فهما كالمَرِيضِ، وإِنْ أفْطَرَتا خَوْفًا على وَلَدَيْهِما. ففيهِما وَجْهانِ؛ أحدهما، لا يَنْقَطِعُ التَّتابُعُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه فِطْرٌ أُبِيحَ لَهما بِسَبَبٍ لا يَتَعَلَّقُ باخْتِيارِهما، فلم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ، كما لو أفْطَرَتا خَوْفًا على أنْفُسِهما. والثانى، يَنْقَطِعُ؛ لأنَّ الخَوْفَ على غيْرِهِما، ولذلك يَلْزَمُهُما الفِدْيَةُ مع القَضاءِ. وإِنْ أَفْطَرَ لِجُنونٍ، أو إغْماءٍ، لم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ؛ لأنَّه