للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امرأتُه: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّه شيخٌ كبيرٌ، ما به مِن صيامٍ. قال: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا" (٢). ولما أمَرَ سَلَمَةَ بن صَخْرٍ بالصِّيامِ قال: وهل أصَبْتُ الذى أصَبْتُ إلَّا مِن الصِّيامِ! قال: "فَأَطْعِمْ" (٣). فَنَقَلَه إلى الإِطْعامِ لمَّا أخْبَرَ أَنَّ به مِن الشَّبَقَ والشَّهْوَةِ ما يَمْنَعُه مِن الصِّيامِ. وقِسْنا على هذينِ ما يُشْبِهُهما فى معناهما. ويجوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلى الإِطعامِ إذا عَجَز عن الصَّيامِ للمَرضِ، وإن كان مَرْجُوَّ الزَّوالِ؛ لدُخولِه فى قولِه سبحانَه وتعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}. ولأنَّه لا يَعْلَمُ أن له نهايةً، فأشْبَهَ الشَّبَقَ. ولا يَخوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ لأجْلِ السَّفَر؛ لأنَّ السّفرَ لا يُعْجِزُه (٤) عن الصِّيامِ، وله نهايةٌ يَنْتِهى إليها، وهو مِن أفْعالِه الاخْتياريَّةِ. والواجبُ فى الإِطعامِ إطْعامُ سِتِّين مسكينًا، لا يُجْزِئُه أقَلُّ من ذلك. وبهذا قال الشّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لو أطْعَمَ مسكينًا واحدًا فى سِتَّين يومًا، أجْزأَه. وحَكاه القاضى أبو الحسين روايةً عن أحمدَ؛ لأنَّ هذا المسكينَ لم يَسْتَوْفِ قُوتَ يَوْمِه مِن هذه الكفَّارِةِ، فجاز أَنْ يُعْطَى منها، كاليَوْمِ الأوَّلِ. وَلنا، قولُ اللَّه تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}. وهذا لم يُطْعِمْ إلَّا واحدًا، فلم يَمْتَثِلِ الأمرَ، ولأنَّه لم يُطْعِمْ سِتِّين مسكينًا، فلم يُجْزِئْه، كما لو دَفَعَها إليه فى يومٍ واحدٍ، ولأنَّه لو جاز الدَّفْعُ إليه فى أيامٍ، لَجازَ فى يومٍ واحدٍ، كالزَّكاةِ وصدقةِ الفطْرِ، يُحَقَّقُ هذا أَنَّ اللَّهَ أمَرَ بعددِ المساكينِ، [لَا بعَدَدِ الأيامِ، وقائلُ هذا يَعْتبِرُ عددَ الأيامِ دونَ عددِ المساكينِ] (٥)، والمعنى فى اليومِ الأوَّلِ أنَّه لم يَسْتَوْفِ حَقَّه مِن هذه الكَفّارةِ، وفى اليومِ الثّانِى قد اسْتَوْفَى حقَّه منها، وأخَذَ منها قُوتَ يومٍ، فلم يَجُز أَنْ يَدْفَعَ إليه فى اليوم الثَّانى، كما لو أوْصَى إنسانٌ بشىءٍ لِسِتِّين مسكينًا.


(٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٤.
(٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٥.
(٤) فى ب: "يعجز".
(٥) سقط من: الأصل. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>