للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتُرِطَ نِيَّةُ الصِّيامِ عن الكفَّارةِ فى كلِّ لَيلةٍ؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ" (٩). وإن اجْتَمَعَتْ عليه كفَّاراتٌ مِن جنسٍ واحدٍ، لم يَجِبْ تَعْيِينُ سَبَبِها. وبهذا قال الشّافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ولا نعلمُ فيه مُخالِفًا. فعلى هذَا، لو كان مُظاهِرًا مِن أربعِ نِساءٍ، فأعْتَقَ عبدًا عن ظِهارِه، أجْزَأه عن إحْداهُنَّ، وحَلَّتْ له واحدةٌ غيرُ مُعَيَّنَة؛ لأنَّه واجبٌ مِن جنسٍ واحدٍ، فأجْزَأتْه نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ، كما لو كان عليه صومُ يَوْمَينِ مِن رمضانَ. وقياسُ المذهبِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَتَخْرُجَ بالقُرْعَةِ المُحَلَّلَةُ مِنهنَّ. وهذا قولُ أبى ثَوْرٍ. وقال الشّافعىُّ: له أَنْ يَصْرِفَها إلى أيَّتِهِنَّ شاءَ، فتَحِلَّ. وهذا يُفْضِى إلى أنَّه يَتَخَيَّرُ بينَ كونِ هذه المرأةِ مُحَلَّلَةً له، أو مُحَرَّمَةً عليه. وإِنْ كان الظِّهارُ مِن ثَلاثِ نِسْوَةٍ، فأعْتَقَ عبدًا عن إحْداهُنَّ، ثم صام شَهْرينِ مُتَتابِعَيْنِ (١٠) عن أُخْرَى، ثم مَرِضَ، فأطْعَمَ سِتِّينَ مسكينًا عن أُخْرَى، أجْزَأه، وحَلَّ له الجميعُ، مِن غيرِ قُرْعَةٍ ولا تَعْيِينٍ. وبهذا قال الشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو ثَوْرٍ: يُقْرِعُ بينَهُنَّ، فمن تَقَعُ لها القُرْعَةُ، فالعِتْقُ لها، ثم يُقْرِع بينَ الباقِيَتَيْنِ، فمَنْ تَقَعُ لها القُرْعَةُ فالصِّيامُ لها، والإِطعامُ عن الثَّالثةِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدةٍ مِن هذه الخِصالِ لو انْفَرَدَتْ، احْتاجَتْ إلى قُرْعَةٍ، فكذلك إذا اجْتَمَعَتْ. ولَنا، أنَّ التَّكْفِيرَ قد حَصَلَ عن الثَّلاثِ، وزالت حُرْمَةُ الظِّهارِ، فلم يَحْتَجْ إلى قُرْعَةٍ، كما لو أعْتَقَ ثلاثةَ أعْبُدٍ (١١) عن ظِهارِهِنّ دَفْعَةً واحدةً. فأمّا إنْ كانت الكفّارةُ مِن أجْناسٍ؛ كظِهار، وقَتْلٍ، وجِماعٍ فى رمضانَ، ويَمِينٍ، فقال أبو الخطَّابِ: لا يَفْتَقِرُ إلى تَعْيِينِ السَّببِ. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنها عبادةٌ واجبةٌ، فلم تَفْتَقِرْ صِحَّةُ أدائِها إلى تَعْيِينِ سَبَبِها، كما لو كانتْ مِن جنسٍ واحدٍ. وقال القاضى: يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْيِينَ سببِها، ولا تجْزِئُ بنِيَّةٍ (١٢) مُطْلَقَةٍ. وحَكاه أصحابُ


(٩) تقدم تخريجه فى: ٤/ ٣٣٤.
(١٠) سقط من: الأصل، ب.
(١١) سقط من: ب.
(١٢) فى م: "نية".

<<  <  ج: ص:  >  >>