للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للشَّكِّ فيها. الثّانى، إذا كان زائلَ العَقْلِ لجُنُونٍ (١٨)، فلا (١٩) حُكْمَ لِقَذْفِه؛ لأنَّ القَلَمَ عنه مرفوعٌ أيضًا، وإِنْ أتَتِ امرأتُه بولدٍ، فنَسَبُه لاحِقٌ به لإِمْكَانِه، ولا سبيلَ إلى نَفْيِه مع زَوالِ عَقْلِه، فإذا عقَل، فله نَفْىُ الوَلَدِ حينئذٍ واسْتِلْحَاقُه. وإنِ ادَّعَى أنَّه كان ذاهبَ العقلِ حِينَ قَذفه، وأنْكَرَتْ ذلك، ولأحَدِهما بَيِّنَةٌ بما قال، ثَبَتَ قولُه. وإِنْ لم يَكُن لواحِدٍ منهما بَيِّنَةٌ، ولم يَكُنْ له حالةٌ عُلِمَ فيها زَوالُ عقلِه، فالقولُ قولُها مع يَمينِها؛ لأنَّ الأصلَ والظاهِرَ الصِّحَّةُ والسَّلامةُ. وإِنْ عُرِفَتْ له حالةُ جُنُونٍ، ولم تُعرَفْ له حالةُ إفاقَةٍ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه، وإِنْ عُرِفَت له حالةُ جنونٍ وحالةُ إفاقةٍ، ففيه وَجْهانِ، أحدُهما، القولُ قولُها. قال القاضى: هذا قياسُ قولِ أصحابِنا فى المَلْفُوفِ إذا ضَرَبَه فَقَدَّه، ثم ادَّعَى أنّه كان مَيِّتًا، وقال الوَلِىُّ: كان حَيًّا. والوجهُ الثّانى، أَنَّ القولَ قولُه؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ ذِمَّتِه مِن الْحَدِّ، فلا يَجِبُ بالشَّكِّ، ولأنَّ الحَدَّ يَسْقُطُ بالشُّبْهَةِ، ولا يُشْبِهُ هذا الْمَلْفُوفَ؛ لأنَّ الملفوفَ قد عُلِم أنَّه كان حَيًّا، ولم يُعْلَم منه ضِدُّ ذلك، فَنَظِيرُه فى مَسْألتِنا أنَّه يُعْرَفُ له حالةُ إفاقةٍ، ولا يُعْلَم منه ضِدُها، وفى مَسْألتِنا قد تَقَدَّم له حالةُ جنونٍ، فيَجوزُ أَنْ تَكُونَ قد اسْتَمَرَّتْ إلى حِينِ قَذْفِه. وأمَّا إنْ كانتِ الزَّوجةُ غيرَ مُكَلَّفَةٍ، فقَذَفَها الزَّوْجُ، نَظَرْنا، فإنْ كانت طِفْلةً لا يُجامَعُ مِثْلُها، فلا حَدَّ على قاذِفِها؛ لأنَّه قولٌ يُتَيَقَّن كذبُه فيه، وبَراءةُ عِرْضِها منه، فلم يَجِب به حَدٌّ كما لو قال: أهلُ الدُّنيا زُناةٌ. ولَكِنَّه يُعَزَّرُ للسَّبِّ، لا للقَذْفِ، ولا يُحتاجُ فى التَّعْزِيرِ إلى مُطالَبَةٍ؛ لأنَّه مَشْرُوعٌ لتأْديبِه، وللإِمامِ فِعْلُه إذا رأى ذلك. فإنْ كانت يُجامَعُ مثلُها، كابنةِ تسع سِنينَ، فعليه الحَدُّ، وليس لوَلِيِّها ولا لها المطالبةُ به حتى تَبْلُغَ، فإذا بَلَغَتْ فطالبتْ، فلها الحَدُّ، وله إسْقاطُه باللِّعانِ، وليس له لِعانُها قبلَ البُلُوغِ؛ لأنَّ اللِّعانَ يُرادُ لإسْقاطِ الحَدِّ أو نَفْى الوَلَدِ، ولا حَدَّ عليه قبلَ بُلُوغِها، ولا وَلَدَ فَيَنْفِيَه، فإنْ أتَتْ بوَلَدٍ حُكِمَ ببُلوغِها؛ لأنَّ الحَمْلَ أحَدُ أسْبابِ البلوغِ، ولأنَّه لا يَكُونُ إلَّا مِن نُطْفَتِها، فمِن ضَرورتِه إنزالُها، وهو مِن أسبابِ بُلُوغِها.


(١٨) فى أ: "بجنون".
(١٩) فى ب، م: "فلأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>