للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}. وقال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. وقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (١٣). فلا يجوزُ تخْصيصُ هذه النُّصوصِ بالتَّحَكُّمِ، ولأنَّها أجْنَبِيَّةٌ تحِلُّ للأزْواجِ، ويحِلُّ للمُطَلِّقِ نِكاحُ أُخْتِها وأربعٍ سِوَاها، فلم تجبْ عليها عِدَّةٌ لمَوْتِه، كما لو تزوَّجَتْ، وتُخالِفُ التى مات فى عِدَّتِها، فإنَّها لا تحِلُّ لغيرِه فى هذه الحالِ، ولم تَنْقَضِ عِدّتُها، ولا نُسَلِّمُ أَنَّها تَرِثُه، فإنَّها لو وَرِثَتْه لأَفْضَى إلى أن يَرِثَ الرجلَ ثمانِى زَوْجاتٍ. فأمَّا إن تزوَّجَتْ إحْدَى هؤلاءِ، فلا عِدَّةَ عليها، بغير خِلَافٍ نعْلَمُه، ولا تَرثُه أيضًا. وإن كانت المُطلَّقةُ البائنُ لا تَرِثُ، كالأَمَةِ أو الحُرّةِ يُطَلِّقُها العَبْدُ، أو الذِّمِّيَّةُ يُطَلِّقها المُسْلِمُ، والمُخْتلِعةُ أو فاعلةُ ما يَفْسَخُ نِكاحَها، لم تَلْزَمْها عِدّةٌ، سَواءٌ مات زوجُها فى عِدَّتِها أو بعدَها، على قياسِ قولِ أصحابِنا، فهم عَلَّلُوا نَقْلَهَا إلى عِدَّةِ الوَفاةِ بإرْثِها، وهذه ليستْ وارثةً، فأشْبَهتِ المُطلَّقةَ فى الصِّحَّةِ، وأمَّا المُطلَّقةُ فى الصِّحَّةِ إذا كانت بائنًا، فمات زوجُها، فإنَّها تَبْنِى على عِدَّةِ الطَّلاقِ، ولا تَعْتَدُّ للوفاةِ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأبي عُبَيْدٍ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذرِ. وقال الثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ: عليها أَطْوَلُ الأجَلَيْنِ، كما لو طَلَّقَها فى مَرَضِ مَوْتِه. ولَنا، قولُه سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. ولأنَّها أجْنَبِيَّةٌ منه فى نكاحِه، ومِيرَاثِه، والحِلِّ له، ووُقوعِ طلاقِه، وظِهارِه، وتحلُّ له أخْتُها وأرْبَعٌ سِوَاها، فلم تَعْتَدَّ لوفاتِه، كما لو انْقَضتْ عِدَّتُها. وذكَرَ القاضى، فى المُطَلَّقةِ فى المرضِ، أنَّها (١٤) إذا كانتْ حامِلًا، تَعْتَدُّ أطْوَلَ الأجَلَيْنِ. وليس هذا بشىءٍ؛ فإنَّ (١٥) وَضْعَ الحملِ تَنْقَضِى به كلُّ عِدَّةٍ، ولا يجوزُ أن يَجِبَ عليها الاعْتِدادُ بغيرِ الحَمْلِ، على


(١٣) سورة الطلاق ٤.
(١٤) سقط من: م.
(١٥) فى م: "لأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>