للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحسنُ، وقَتادةُ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وشَذَّ بعضُ المتأخِّرِينَ، فقال: لا يَحِلُّ له نِكاحُها، ولا خِطْبتُها؛ لأنَّها مُعْتَدَّةٌ. ولَنا، أن العِدَّةَ لحِفْظِ نَسَبِه، وصِيَانةِ مائِه، ولا يُصانُ ماؤُه عن مائِه إذا كانا من نكاحٍ صحيحٍ، فإذا تَزَوَّجَها، انْقطَعتِ العِدَّةُ؛ لأنَّ المرأةَ تصيرُ فرِاشًا له بعَقْدِه، ولا يجوزُ أن تكون زَوْجتُه (١٢) مُعْتدَّةً. فإن وَطِئَها، ثم طَلَّقهَا، لَزِمَتْها عِدَّةٌ مُسْتَأْنفَةٌ، ولا شيءَ عليها من الأُولَى؛ لأنَّها قد انْقطَعتْ وارْتفَعتْ. وإن طَلَّقَها قبلَ أن يَمَسَّها، فهل تستأنِفُ العِدَّةَ، أو تَبْنِى على ما مَضَى؟ قال القاضى: فيه روَايتَان؛ إحْداهما، تسْتأنِفُ. وهو قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه طَلاقٌ لا يَخْلُو من عِدَّةٍ، فأوْجَبَ عدّةً مُستأنَفةً، كالأوَّلِ. والثانية، لا يَلْزَمُها اسْتِئْنافُ عِدَّةٍ. وهو قولُ الشافعىِّ، ومحمدِ بن الحسنِ؛ لأنَّه طلاقٌ فى نكاحٍ قبلَ الْمَسِيسِ، فلم يُوجِبْ عِدَّةً، لعُمومِ قولِه سبحانه: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (١٣). وذكر القاضى، فى "كتابِ الرِّوايتَيْنِ" أنَّه لا يَلْزَمُها اسْتِئْنافُ العِدَّةِ، روايةً واحدةً، لكنْ يَلْزَمُها إتْمامُ بَقِيَّةِ العِدَّةِ الأُولَى؛ لأنَّ إسْقاطَها يُفْضِى إلى اخْتِلاطِ المِياهِ، لأنَّه يتَزَوَّجُ امرأةً ويَطَؤُها ويخْلَعُها، ثم يتَزَوَّجُها ويُطَلِّقُها فى الحالِ، ويتزوَّجُها الثاني، فى يومٍ واحدٍ. فإن خَلَعها حامِلًا ثم تزَوَّجَها حاملًا، ثم طَلَّقهَا وهى حاملٌ، انْقَضتْ عِدَّتُها بوَضْعِ الحَمْلِ، على كِلتا الروايتَيْنِ، ولا نعلمُ فيه مُخالِفًا، ولا تَنْقَضِى عِدَّتُها قبلَ [وَضْعِ حَمْلِها] (١٤) بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. وإن وَضَعَتْ حَمْلَها قبلَ النِّكاحِ الثاني، فلا عِدَّةَ عليها للطَّلاقِ من النِّكاحِ الثاني، بغير خلافٍ أيضًا؛ لأَنَّه نَكَحهَا بعدَ انْقِضاءِ (١٥) عِدَّةِ الأوَّلِ. وإن وضَعَتْهُ (١٦)


(١٢) فى م: "زوجة".
(١٣) سورة الأحزاب ٤٩.
(١٤) فى م: "وضعها".
(١٥) فى الأصل: "قضاء".
(١٦) فى أ: "وضعت".

<<  <  ج: ص:  >  >>