للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه تِسْعُونَ سنةً، قُسِّمَ مالُه. وهذا يقَتْضِى أنَّ زَوْجَتَه تَعْتَدُّ عِدّةَ الوَفاةِ ثم تتزوَّجُ. قال أصحابُنا: إنَّما اعْتَبَرَ تِسْعِينَ سنةً من يوم وِلادَتهِ؛ لأنَّ الظاهرَ أَنَّه لا يعيشُ أكثرَ من هذا العُمْرِ، فإذا [اقْتَرنَ به انقطَاعُ] (٣٥) خَبَرِه، وَجَبَ الحُكْمُ بمَوْتِه، كما لو كان فَقْدُه بغَيْبةٍ ظاهِرُها الهَلاكُ. والمَذْهَبُ الأوَّلُ؛ لأنَّ هذه غَيْبَةٌ ظاهِرُها السَّلامةُ، فلم يُحْكَمْ بمَوْتِه، كما قبلَ الأَرْبعِ سِنِينَ، أو كما قبلَ التِّسْعِين، ولأنَّ هذا التَّقْدِيرَ بغيرِ تَوْقِيفٍ، والتَّقْديرُ لا يَنْبَغِى أن يُصارَ إليه إلَّا بالتَّوْقيفِ؛ لأنَّ تَقْدِيرَها بتسعينَ سنةً من يومِ وِلادَتِه، يُفْضِى إلى اخْتلافِ العِدَّةِ فى حَقِّ المرأةِ باختلافِ عُمْرِ الزَّوجِ، ولا نَظِيرَ لهذا، وخَبَرُ عمرَ وَرَدَ فى مَن ظاهرُ غَيْبَتِه الهلاكُ، فلا يُقَاسُ عليه غيرُه. القسم الثاني، أن تكونَ غَيْبَتُه ظاهِرُها الهلاكُ، كالذى يُفْقَدُ من بينِ أهلِه ليلًا أو نهارًا، أو يَخْرُجُ إلى الصلاةِ فلا يَرْجِعُ، أو يَمْضِى إلى مكانٍ قريبٍ لِيَقْضِىَ حاجَتَه ويَرْجِعَ، فلا يَظْهَرُ له خَبَرٌ، أو يُفْقَدُ مِن (٣٦) بينِ الصَّفَّيْنِ، أو يَنْكَسِرُ بهمْ مَرْكِبٌ فيَغْرَقُ بعضُ رُفْقَتِه، أو يُفْقَدُ فى مَهْلَكَةٍ، كبَرِّيَّةِ الحِجازِ ونحوِها، فمذْهَبُ أحمدَ الظاهِرُ عنه، أنَّ زَوْجَتَه تَتَرَبَّصُ أرْبَعَ سِنِينَ، أكثرَ مُدَّةِ الْحَملِ، ثم تَعْتَدُّ للوَفاةِ أَرْبَعَةَ أشهرٍ وعَشْرًا. وتَحِلُّ للأزْواجِ. قال الأثْرَمُ: قيل لأبي عبدِ اللَّه: تذْهَبُ إلى حديثِ عمرَ؟ قال: هو أحْسَنُها يُرْوَى عن عمرَ من ثمانيةِ وُجُوهٍ. ثم قال (٣٧): زَعَمُوا أن عمرَ رَجَعَ عن هذا. هؤلاء الكَذَّابِينَ (٣٨). قلتُ: فرُوِىَ من وَجْهٍ ضعيفٍ أنَّ عمرَ قال بخلافِ هذا؟ قال: لا، إلَّا أن يكونَ إنسانٌ يَكْذِبُ. وقلت له مَرَّةً: إنَّ إنْسانًا قال لى: إنَّ أبا عبدِ اللَّه قد تَرَكَ قولَه فى المَفْقُودِ بعدَكَ. فضَحِكَ، ثم قال: مَن تَرَكَ هذا القولَ أىَّ شيءٍ يقولُ! وهو (٣٩) قولُ عمرَ وعثمانَ وعليٍّ وابنِ عباسٍ وابنِ الزُّبَيْرِ. قال أحمدُ: خمسةٌ من أصْحابِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وبه قال عطاءٌ، وعمرُ بن


(٣٥) فى أ: "انقطع".
(٣٦) سقط من: أ، ب، م.
(٣٧) فى الأصل: "قالوا".
(٣٨) كذا على حكاية قوله.
(٣٩) فى أ، ب، م: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>