للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (٥٣). وإخْراجُهُنَّ هو الإِخْراجُ لإِقامةِ حَدِّ الزِّنَى، ثم تُرَدُّ إلى مَكانِها. ولَنا، أنَّ الآيةَ تَقْتَضِى الإِخْراجَ عن السُّكْنَى، وهذا لا يتَحَقَّقُ فيما قالاه. وأمَّا الفاحِشَةُ فهى اسْمٌ للزِّنَى وغيرِه من الأقوالِ الفاحِشَةِ، يقال: أفْحَشَ فلانٌ في مَقالِه. ولهذا رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قالتْ له عائشةُ: يا رسولَ اللَّه، قلتَ لفلانٍ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ". فلما دَخَلَ ألَنْتَ له القولَ. فقال: "يا عَائِشَةُ، إنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ" (٥٤). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الوَرَثةَ يُخْرِجُونَها عن ذلك المَسْكَنِ، إلى مسكنٍ آخَرَ من الدارِ إن كانَتْ كبيرةً تَجْمَعُهم، فإن كانتْ لا تجمعُهم، أو لم يُمْكِنْ نَقْلُها إلى غيرِه في الدارِ، أو لم (٥٥) يتَخَلَّصُوا من أذاها بذلك، فلهم نَقْلُها. وقال بعضُ أصْحابِنا: يَنْتَقِلُونَ هم عنها؛ لأنَّ سُكْناها واجبٌ في المكانِ، وليس بواجبٍ عليهم. والنَّصُّ يَدُلُّ على أنَّها تُخْرَجُ، فلا يُعَرَّجُ (٥٦) على ما خالَفَه، ولأنَّ الفاحِشةَ منها، فكان الإِخْراجُ لها. وإن كان أحْماؤُها هم الذين يُؤْذُونَها، ويُفْحِشُونَ عليها، نُقِلُوا هم دُونَها، فإنَّها لم تَأْتِ بفاحِشَةٍ، فلا تُخْرَجُ بمُقْتَضَى النَّصِّ، ولأنَّ الذَّنْبَ لهم فيُخَصُّون (٥٧) بالإِخْراجِ. وإن كان المَسْكنُ لغير المَيِّتِ فتَبَرَّعَ صاحِبُه بإسْكانِها فيه، لَزِمَها الاعْتِدادُ به، وإن أبَى أن يُسْكِنَها إلَّا بأُجْرَةٍ، وجَبَ بَذْلُها من مالِ المَيِّتِ، إلَّا أن يتَبَرَّعَ إنسانٌ ببَذْلِها، فيَلْزَمُها (٥٨) الاعْتِدادُ به، فإن حَوَّلَها مالِكُ (٥٩)


(٥٣) سورة النساء ١٥.
(٥٤) أخرجه البخاري، في: باب لم يكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاحشا ولا متفحشا، وباب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، وباب المداراة مع الناس، من كتاب الأدب. صحيح البخاري ٨/ ١٥، ١٦، ٢٠، ٢١، ٣٨. وأبو داود، في: باب في حسن العشرة، من كتاب الأدب. سنن أبي داود ٢/ ٥٥١. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في حسن الخلق، من كتاب حسن الخلق. الموطأ ٢/ ٩٠٣، ٩٠٤.
(٥٥) في ب، م: "ولم".
(٥٦) في أ: "يعول".
(٥٧) في الأصل: "فيختصون".
(٥٨) في الأصل، ب: "ويلزمها".
(٥٩) في أ، م: "صاحب".

<<  <  ج: ص:  >  >>