للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمُ ذلك المسكينَ في الكَفَّارةِ. قال بعضُهم: يَجِىءُ على قولِ أصحابِنا، أنَّه لا يجوزُ وإن تَرَاضَيا؛ لأنَّه بَيْعُ حِنْطَةٍ بجِنْسِها (١٨) مُتَفاضِلًا. ولَنا، قولُ ابن عباسٍ، في قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}. قال: الخُبْزُ والزَّيْتُ. وعن ابن عمرَ: الخبزُ والسَّمْنُ، والخبزُ والزيتُ، والخبزُ والتمرُ، ومن أفْضَلِ ما تُطْعِمُونهنَّ الخبزُ واللَّحْمُ. ففَسَّرَ إطعامَ الأهْلِ بالخُبْزِ مع غيرِه من الأُدْمِ. ولأنَّ الشرعَ وَرَدَ بالإِنْفاقِ مُطْلَقًا من غيرِ تَقْيِيدٍ ولا تَقْدِيرٍ، فوَجَبَ أن يُرَدَّ إلى العُرْفِ، كما في القَبْضِ والإِحْرازِ، وأهلُ العُرْفِ إنَّما يتَعارَفُونَ فيما بينهم في الإِنْفاقِ على أَهْلِيهِم الخُبْزَ والأُدْمَ، دُونَ الحَبِّ، والنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحابَتُه إنَّما كانوا يُنْفِقُون ذلك، دون ما ذكَرُوه، فكان ذلك هو الواجبَ، ولأنَّها نفقةٌ قَدَّرَها الشَّرعُ بالكِفَايةِ، فكان الواجبُ الخُبْزَ، كنَفَقةِ العَبيدِ (١٩)، ولأنَّ الحَبَّ تَحْتاجُ فيه إلى طَحْنِه وخَبْزِه، فمتى احْتاجَتْ إلى تَكَلُّفِ ذلك من مالِها لم تَحْصُل الكفايةُ بنَفقَتِه، وفارَقَ الإِطْعامَ في (٢٠) الكفَّارةِ، فإنَّها (٢١) لا تُقَدّرُ بالكِفايةِ، ولا يجبُ فيها الأُدْمُ. فعلى هذا لو طَلَبَتْ مكانَ الخُبْز دَرَاهِمَ، أو حَبًّا، أو دَقِيقًا، أو غيرَ ذلك، لم يَلْزَمْه بَذْلُه، ولو عَرَضَ عليها بَدَلَ الواجبِ لها، لم يَلْزَمْها قَبُولُه؛ لأنَّها مُعاوَضةٌ، فلا يُجْبَرُ واحدٌ منهما على قَبُولِه (٢٢)، كالبَيْعِ. وإن تراضَيا على ذلك، جازَ؛ لأنَّه طعامٌ وَجَبَ في الذِّمَّةِ، لآدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ، فجازتِ المُعاوَضةُ عنه، كالطَّعامِ في القَرْضِ، ويُفارِقُ الطَّعامَ في الكَفَّارةِ؛ لأنَّه حَقُّ اللَّه تعالى، وليس هو لآدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ، فيَرْضَى بالعِوَضِ عنه. وإن أعْطاها مكانَ الخُبْزِ حَبًّا، أو دقيقًا، جاز إذا تراضَيا عليه؛ لأنَّ هذا ليس بُمعَاوَضةٍ حقيقةً، فإنَّ الشارِعَ لم يُعَيِّنِ (٢٣) الواجبَ بأكثرَ من الكِفايةِ، فبأىِّ شيءٍ (٢٤) حَصَلَتِ


(١٨) في أ، م: "بجنسهم".
(١٩) في م: "العبد".
(٢٠) في م: "هم" خطأ.
(٢١) في م: "لأنها".
(٢٢) في ب.: "قبولها".
(٢٣) في أ، م: "يعتبر".
(٢٤) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>