للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أعْسَرَ بما زاد على نَفَقةِ المُعْسِرِ، فلا خِيارَ لها؛ لأنَّ تلك الزِّيادةَ تَسْقُطُ بإعْسارِه، ويُمْكِنُ الصبرُ عنها، ويَقُومُ البَدَنُ بما دُونَها. وإن أعْسَرَ بنَفَقةِ الخادِمِ، لم يَثْبُتْ لها خِيارٌ؛ لما ذكَرْنا، وكذلك إن أعْسَرَ بالأُدْمِ. وإن أعْسَرَ بالكُسْوةِ، فلها الفَسْخُ؛ لأنَّ الكُسْوةَ لا بُدَّ منها، ولا يُمْكِنُ الصبرُ عنها، ولا يقومُ البَدَنُ بدُونِها. وإن أعْسَرَ بأُجْرَةِ المَسْكَنِ (١٢)، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، لها الْخِيارُ؛ لأنَّه ممَّا (١٣) لا بُدَّ منه، فهو كالنَّفَقةِ والكُسْوةِ. والثاني، لا خِيارَ لها؛ لأنَّ البِنْيَةَ تَقُومُ بدُونِه. وهذا الوَجْهُ هو (١٣) الذي ذكره (١٤) القاضِى. وإن أعْسَرَ بالنَّفَقةِ الماضِيَةِ، لم يكُنْ لها الفَسْخُ؛ لأنَّها دَيْنٌ يَقُومُ البَدَنُ بدونها (١٥)، فأشْبَهتْ سائِرَ الدُّيونِ. الحال (١٣) الثاني، أن يَمْتنِعَ من الإِنْفاقِ مع يَسارِه؛ فإن قَدَرَتْ له على مالٍ، أخَذَتْ منه قَدْرَ حاجَتِها، ولا خِيارَ لها؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر هِنْدًا بالأخْذِ، ولم يَجْعَلْ لها الفَسْخَ، وإن لم تَقْدِرْ، رافَعَتْه إلى الحاكمِ، فيأمُرُه بالإِنْفاقِ، ويُجْبِرُهُ عليه، فإنْ (١٦) أبَى حَبَسَهُ، فإن صَبَرَ على الحَبْسِ، أخَذَ الحاكمُ النَّفَقةَ من مالِه، فإن لم يَجِدْ إلَّا عُرُوضًا أو عَقارًا، باعَها (١٧) في ذلك. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ: النَّفَقةُ في مالِه من الدَّنانِيرِ والدّرَاهِمِ، ولا يَبِيعُ عَرْضًا إلَّا بتَسْليمٍ؛ لأنَّ بَيْعَ مالِ الإِنْسانِ لا يَنْفُذُ إلَّا بإذْنِه، أو إذْنِ (١٨) وَلِيِّه، ولا وِلايةَ على الرَّشِيدِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِهنْدٍ: "خُذِى ما يَكْفِيكِ". ولم يُفَرِّقْ، ولأنَّ ذلك مالٌ له، فتُؤْخَذُ منه النَّفَقةُ، كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، وللحاكمِ ولايةٌ عليه إذا امْتَنَعَ، بدليلِ وِلايَتِه على دَرَاهِمِه ودَنانيرِه. وإن تَعَذَّرَتِ النَّفَقةُ في


(١٢) في ب، م: "مسكن".
(١٣) سقط من: ب.
(١٤) في م: "ذكر".
(١٥) في أ: "بدونه".
(١٦) في أ، م: "قال". خطأ.
(١٧) في الأصل: "باعه".
(١٨) في أ: "وإذن".

<<  <  ج: ص:  >  >>