للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصلُ في وُجُوبِ نَفَقةِ الوالِدينَ والمَوْلُودِينَ الكتابُ والسُّنَّةُ والإِجْماعُ؛ أمَّا الكِتابُ فقولُ اللَّه تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٢). أوْجَبَ أجْرَ رَضاعِ الوَلَدِ على أبِيه، وقال سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (٣). وقال سُبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (٤). ومن الإحْسانِ الإِنْفاقُ عليهما عندَ حاجَتِهِما. ومن السُّنَّةِ قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لهِنْد: "خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ". مُتَّفَقٌ عليه (٥). ورَوَتْ عائشةُ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ أطْيَبَ مَا أكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإنَّ وَلَدَهُ مِنْ كسْبِهِ". رَواه أبو داودَ (٦). وأما الإِجْماعُ، فحَكَى ابنُ المُنْذِرِ، قال: أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ نَفَقةَ الوالِدَيْنِ الفَقِيرينِ اللَّذَيْن لا كَسْبَ لهما، ولا مالَ، واجِبَةٌ في مالِ الوَلَدِ، وأجْمَعَ كلُّ مَنْ نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ على المَرْءِ نَفَقةَ أوْلادِه الأطْفالِ الذين لا مالَ لهم. ولأنَّ وَلَدَ الإِنْسانِ بَعْضُه، وهو بعضُ والِدِه، فكما يجبُ عليه أن يُنْفِقَ على نَفْسِه وأهْلِه، كذلك على بعضِه وأصْلِه. إذا ثبت هذا، فإنَّ الأُمَّ تجِبُ نَفَقتُها، ويجبُ عليها أن تُنْفِقَ على وَلَدِها إذا لم يكُنْ له أبٌ. وبهذا قال أبو حنيفة، والشَّافعىُّ. وحُكِىَ عن مالك، أنَّه لا نَفقةَ عليها، ولا لها؛ لأنَّها ليستْ عَصَبةً لوَلَدِها. ولَنا، قولُه سبحانه: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِرَجُلٍ سَألَه: مَنْ أبَرُّ؟ قال: "أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فالأقْرَبَ" رَواه أبو داودَ (٧)، ولأنَّها أحَدُ الوالِدَيْنِ، فأشْبَهَتِ الأبَ، [ولأنَّ بينهما قَرابةً تُوجِبُ رَدَّ الشهادةِ، وَوُجُوبَ العِتْقِ، فأشْبَهتِ الأبَ] (٨). فإن أعْسَرَ الأبُ، وجَبَتِ النَّفَقةُ على الأُمِّ، ولم تَرْجِعْ بها عليه إن أَيْسَرَ. وقال


(٢) سورة الطلاق ٦.
(٣) سورة البقرة ٢٣٣.
(٤) سورة الإسراء ٢٣.
(٥) تقدم تخريجه في صفحة ٣٤٨.
(٦) تقدم تخريجه في ٨/ ٢٦٣.
(٧) تقدم تخريجه، في: ٤/ ٣٠٨.
(٨) سقط من: الأصل. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>