للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَنْ تابَعَه أصَحُّ وأحَجُّ؛ لأنَّه ثَبَتَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَصًّا صَرِيحًا، فأىُّ شيءٍ يُعارِضُ هذا إلَّا مثلُه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، الذي (١٥) هو المُبَيِّنُ عن اللَّه مُرَادَه؟ ولا شىءَ يَدْفَعُ ذلك. ومَعْلُومٌ أنَّه أعْلَمُ بتَأْوِيلِ قولِ اللَّه تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}. وأمَّا قولُ عمرَ، ومَنْ وافَقَه، فقد خالَفَه علىٌّ وابنُ عباسٍ، ومَنْ وافَقَهُما، والحُجّةُ مَعَهم، ولو لم يُخالِفْه أحَدٌ منهم، لَما قُبِلَ قولُه المخالِفُ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنَّ قولَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حُجّةٌ على عمرَ وعلَى غيرِه، ولم يَصِحَّ عن عمرَ أنَّه قال: لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا، وسُنَّةَ نَبِيِّنا، لقولِ امرأةٍ. فإنَّ (١٦) أحمدَ أنْكَرَه، وقال: أمَّا هذا فلا، ولكن قال: لا نَقْبَلُ في دِينِنَا قولَ امرأةٍ. وهذا أمْرٌ يَرُدُّه (١٧) الإِجْماعُ على قبولِ قولِ المرأةِ في الرِّوايةِ، فأى حُجّةٍ في شيءٍ يُخالِفُه الإِجماعُ، وتَرُدُّه السنةُ، ويُخالِفُه فيه علماءُ الصحابةِ. قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: نحنُ نَعْلَمُ أن عمرَ لا يقول: لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا إلَّا لما هو مَوْجُودٌ في كِتابِ اللَّه. والذي في الكِتابِ أنَّ لها النَّفقةَ إذا كانت حامِلًا، بقولِه سبحانه: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. وأمَّا غيرُ ذَواتِ الحَمْلِ [فلا يَدُلُّ] (١٨) الكِتابُ إلَّا على (١٩) أنَّهُنَّ لا نَفقةَ لهُنَّ؛ لاشْتِراطِه (٢٠) الحَمْلَ في الأمْرِ بالإِنْفاقِ. وقد رَوَى أبو داودَ، وغيرُه من الأئِمَّةِ، بإِسْنادِهم عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: ففَرَّقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما - يعني المُتَلَاعِنَيْنِ - وقَضَى أن لا بَيْتَ لها عليه ولا قُوتَ (٢١). ولأن هذه مُحَرَّمةٌ عليه تَحْرِيمًا لا تُزِيلُه الرَّجْعَةُ، فلم يكُنْ لها سُكْنَى ولا نفقةٌ، كالمُلاعِنَةِ أو كالأجْنَبِيَّةِ، وفارقَتِ الرَّجْعِيَّةَ في ذلك. وأمَّا الرَّجْعِيَّةُ، فلها السُّكْنَى والنَّفقةُ؛ للآيةِ والخبَرِ والإِجماعِ، ولأنَّها زَوْجةٌ يَلْحَقُها طَلَاقُه وظِهَارُه وإيلاؤُه.


(١٥) سقط من: ب.
(١٦) في أ: "لأن".
(١٧) في ب: "رده".
(١٨) في أ: "فيدل".
(١٩) كشطت من: أ.
(٢٠) في أ: "لاشتراط".
(٢١) تقدم تخريجه، في: ٨/ ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>