للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا، الجاريةُ تكونُ معها إلى سَبْعِ سِنِينَ. فظاهرُ هذا أنَّه لم يُزِلِ الحَضانةَ عن الجاريةِ لتَزْوِيجِ أُمِّها، وأزَالها عن الغُلامِ. ووَجْهُ ذلك ما رُوِىَ، أنَّ عَلِيًّا وجَعْفَرًا وزَيْدَ بن حارِثة، تنَازَعُوا في حضانةِ ابْنةِ حَمْزةَ، فقال علىٌّ: ابنةُ عَمِّى، وأنا أخَذْتُها. وقال زيدٌ: بنتُ أخِى؛ لأنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- آخَى بين زيدٍ وحَمْزةَ. وقال جعفرٌ: بنتُ عَمِّى، وعندى خالَتُها. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْخَالَةُ أُمٌّ". وسَلّمَها إلَى جَعْفَرٍ. روَاه أبو داودَ (١) بنحوِ هذا المعنى، فَجَعَلَ لها الحضانةَ وهى مُزوَّجَةٌ. والرِّوايةُ الأُولَى هي الصَّحِيحةُ. قال ابنُ أبي موسى: وعليها العَمَلُ؛ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للمرأةِ: "أنْتِ أحَقُّ بِهِ، مَا لمْ تَنْكِحِى" (٢). ولأنَّها إذا تزَوَّجَتْ، اشْتَغَلَتْ بحُقُوقِ الزَّوجِ عن الحضانةِ، فكان الأبُ أحَظَّ له، ولأنَّ مَنافِعَها تكونُ مَمْلوكةً لغيرِها، فأشْبهتِ المَمْلوكةَ. فأمَّا بنتُ حمزةَ، فإنَّما قَضَى بها لخالَتِها؛ لأنَّ زَوْجَها من أهلِ الحضانةِ، ولأنَّه لا يُساوِيهِ في الاسْتِحْقاقِ إلَّا علىٌّ، وقد تَرَجَّحَ جعفرٌ بأن امرأتَه من أهلِ الحضانةِ، فكان أوْلَى. وعلى هذا، متى كانت المرأةُ مُتَزَوِّجةً لرَجُلٍ من أهلِ الحضانةِ، كالجَدَّةِ تكونُ متزَوِّجةً للجَدِّ، لم تَسْقُطْ حَضانَتُها؛ لأنَّه يُشارِكُها في الوِلادةِ والشَّفَقةِ على الوَلَدِ، فأشْبهَ الأُمَّ إذا كانتْ مُتزوِّجةً للأبِ. ولو تنازَعَ العَمَّانِ في الحضانةِ، وأحَدُهما مُتزوِّجٌ للأُمِّ، أو الخالةِ، فهو أحَقُّ، لحديثِ بنتِ حمزةَ. وكذلك كلُّ عَصَبَتَيْنِ تساوَيا، وأحدُهما مُتزوِّجٌ بمَن هي من أهْلِ الحضانةِ، قُدِّمَ بها لذلك. وظاهرُ قولِ الْخِرَقِىِّ، أنَّ التَّزْويجَ بأجْنَبِىٍّ يُسْقِطُ الحضانةَ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، وإن عَرِىَ عن الدُّخُولِ. وهو قولُ الشافعىِّ, ويَحْتَمِلُ أن لا تَسْقُطَ إلَّا بالدُّخُولِ. وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّ به تَشْتَغِلُ عن الحضانةِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ أحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِى". وقد وُجِدَ النِّكاحُ قبلَ الدُّخولِ،


(١) في: باب من أحق بالولد، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود ١/ ٥٣٠.
كما أخرجه البخاري، في: باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان. . ., من كتاب الصلح، وفى: باب عمرة القضاء، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٣/ ٢٤٢، ٥/ ١٨٠.
(٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٤١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>