للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندَها؛ لأنَّه أمْكَنَ الجَمْعُ بين الحَقَّيْنِ، فلم يَجُز الإِخْلالُ بأحَدِهما. ولَنا، على الأوَّلِ، ما تقَدَّمَ، وعلى جوازِ الاسْتِئْجارِ، أنَّه عَقْدُ إجَارَةٍ يَجُوزُ مع (٨) غيرِ الزَّوجِ إذا أَذِنَ فيه، فجاز مع الزَّوجِ، كإجَارةِ نفسِها للخِياطةِ أو الخِدْمةِ. وقولُهم: إنَّ المنافِعَ مملوكةٌ له. غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّه لو مَلَكَ مَنْفعةَ الحضانةِ، لَمَلَكَ إجْبارَها عليها، ولم تَجُزْ إجارةُ نفسِها لغيرِه بإذْنِه، ولكانتْ الأُجْرَةُ له، وإنَّما امْتَنَعَتْ (٩) إجارةُ نفسِها لأجْنَبِىِّ بغيرِ إذْنِه، لما فيه من تَفْوِيتِ الاسْتِمْتاعِ في بعضِ الأوْقاتِ، ولهذا جازَتْ بإذْنِه، وإذا اسْتأجَرَها، فقد أذِنَ لها في إجارةِ نفسِها، فصَحَّ، كما يَصِحُّ من الأجْنَبِىِّ. وأمَّا الدليلُ على وُجُوبِ تَقْديمِ الأُمِّ، إذا طَلَبَتْ أجْرَ مثلِها، على المُتَبَرِّعةِ، فقولُه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وقولُه سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (١٠). ولأنَّ الأُمَّ أحْنَى وأشْفَقُ، ولَبَنَها أمْرَأُ من لَبَنِ غيرِها، فكانت أحَقَّ به من غيرِها، كم لو طَلَبَتِ الأجْنَبِيَّةُ رَضاعَه بأجْرِ مثلِها، ولأنَّ في رَضاعِ غيرِها تَفْوِيتًا لحَقِّ الأُمِّ من الحضانةِ، وإضْرارًا بالوَلَدِ، ولا (١١) يجوزُ تَفْويتُ حَقِّ الحضانةِ الواجبِ، والإِضْرارُ بالولدِ لغرَضِ إسْقاطِ (١٢) حَقٍّ أوْجَبَه اللهُ تعالى على الأَبِ. وقولُ أبى حنيفةَ يُفْضِى إلى تَفويتِ حَقِّ الولدِ من لَبَنِ أُمِّه، وتَفْويتِ [حَقِّ] الأُمِّ في إرْضاعِه لَبَنَهَا، فلم يَجُز ذلك، كما لو تَبَرَّعَتْ برَضاعِه. فأمَّا إن طَلَبتِ الأمُّ أكثرَ من أجْرِ مثلِها، ووَجَدَ الأبُ مَنْ تُرْضِعُه بأجْرِ مثلِها، أو مُتَبَرِّعةً، جاز انْتِزاعُه منها؛ لأنَّها أسْقَطَتْ حَقَّها باشْتِطاطِها، وطَلَبِها ما ليس لها، فدَخَلَتْ في عُمُومِ قوله: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}. وإن لم يَجِدْ


(٨) في م: "من".
(٩) في الأصل، ب: "امتنع".
(١٠) سورة الطلاق ٦.
(١١) سقطت الواو من: أ، م.
(١٢) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>