للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَشَاشِ الْأرْضِ" (٥). مُتَّفَقٌ عليه (٦). فإن امْتَنَعَ من الإِنْفاقِ عليها، أُجْبِرَ على ذلك، فإن أبَى أو عَجَزَ، أُجْبِرَ على بَيْعِها، أو ذَبْحِها إن كانتْ ممَّا يُذْبَحُ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُجْبِرُه السُّلْطانُ، بل يَأْمُرُه (٧)، كما يأمرُه بالمَعْرُوفِ، ويَنْهاهُ عن المُنْكَرِ؛ لأنَّ البَهيمةَ لا يَثْبُتُ لها حَقٌّ من جهةِ الحُكْمِ، ألا تَرَى أنَّه لا تَصِحُّ منها الخُصومةُ، ولا يُنْصَبُ عنها (٨) خَصْمٌ، فصارتْ كالزَّرْعِ والشَّجَرِ. ولَنا، أنَّها نَفَقةُ حَيوانٍ واجبةٌ عليه، فكان للسُّلطانِ إجبارُه عليها، كنَفقةِ العَبِيدِ، ويُفارِقُ نَفقةَ الشَّجَرِ والزَّرْعِ، فإنَّها لا تَجِبُ. فإن عَجَزَ عن الإِنْفاقِ، وامْتنعَ من البَيْعِ، بيعَتْ عليه، كما يُباعُ العَبْدُ إذا طَلَبَ البَيْعَ عندَ إعْسارِ سَيِّدِه بنَفَقَتِه، وكما نَفْسَخُ (٩) نِكَاحَه إذا أعْسَرَ بنَفَقةِ امْرأتِه. وإن عَطِبَتِ البَهيمةُ فلم يَنْتَفِعْ بها، فإن كانت ممَّا يُؤْكَلُ، خُيِّرَ بين ذَبْحِها والإِنْفاقِ عليها، وإن كانتْ ممَّا لا يُؤْكَلُ، أُجْبِرَ على الإِنْفاقِ عليها، كالعَبْدِ الزَّمِنِ، على ما ذكرْناه فيما مضَى. ولا يجوزُ أن يُحَمِّلَ البَهِيمةَ ما لا تُطِيقُ؛ لأنَّها في معنى العَبْدِ، وقد مَنَعَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَكْلِيفَ العَبْدِ ما لَا يُطِيقُ (١٠). ولأنَّ فيه تَعْذِيبًا للحيوانِ الذي له حُرْمةٌ في نَفْسِه، وإضرارًا به، وذلك غيرُ جائزٍ. ولا يَحْلِبُ من لَبَنِها إلَّا ما يَفْضُلُ عن كِفَايةِ وَلَدِها؛ لأنَّ كِفَايَتَه واجبةٌ على مالِكِه، ولَبَنُ أُمِّه مَخْلُوقٌ له، فأشْبَهَ وَلَدَ الأَمَةِ.


(٥) خشاش الأرض: هوامها وحشراتها.
(٦) أخرجه البخاري، في: باب حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري ٤/ ٢١٥. ومسلم، في: باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذى، من كتاب البر والصلة والآداب. صحيح مسلم ٤/ ٢٠٢٢, ٢٠٢٣.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٥٩، ١٨٨.
(٧) في ب، م زيادة: "به".
(٨) في أ، ب، م: "عليها".
(٩) في م: "يفسخ".
(١٠) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>