للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو شِبْهُ عَمْدٍ. الضَّرْب الرابع، أن يَحْبِسَه في مكانٍ، ويَمْنَعَه الطَّعامَ والشرابَ مُدَّةً لا يَبْقَى فيها حتى يَمُوتَ، فعليه القَوَدُ؛ لأنَّ هذا يَقْتُلُ غالبًا، وهذا يخْتلِفُ باخْتلافِ الناسِ والزَّمانِ والأحوالِ، فإذا كان عَطْشانَ في شِدَّةِ الحَرِّ، مات في الزَّمَنِ القليلِ، وإن كان رَيَّانَ والزمنُ باردٌ أو معتدلٌ، لم يَمُتْ إلَّا في زمنٍ طويلٍ فيُعْتَبَرُ هذا فيه. وإن كان في مُدَّةٍ يمُوتُ [في مثلِها] (٤١) غالبًا، ففيه القَوَدُ. وإن كان لا يَموتُ في مثلِها غالبًا (٤٢)، فهو عَمْدُ الخَطَإِ. وإن شَكَكْنا فيها، لم يَجِب القَوَدُ؛ لأنَّنا شكَكْنَا في السببِ، ولا يَثْبُتُ الحُكْمُ مع الشَّكِّ في سَبَبِه، سِيَّما القِصاصُ الذي يَسْقُطُ بالشُّبُهاتِ.

النوع الخامس، أن يَسْقِيَه سُمًّا، أو يُطْعِمَه شيئًا قاتلًا، فيموتَ به، فهو عَمْدٌ موجِبٌ للقَوَدِ، إذا كان مثلُه يقْتُلُ غالبًا. وإن خَلَطَه بطعامٍ، وقَدَّمَه إليه، فأكَلَه أو أهْداهُ إليه فأكلَه (٤٣)، أو خَلَطه بطَعامِ رَجُلٍ، ولم يَعْلَمْ (٤٣) ذلك فأكَلَه، فعليه القَوَدُ؛ لأنَّه يقْتُلُ غالبًا. وقال الشافعيُّ، في أحدِ قَوْلَيْه: لا قَوَدَ عليه؛ لأنَّه أكَلَه مُخْتارًا، فأشْبَهَ ما لو قَدَّمَ إليه سِكِّينًا، فطَعَنَ بها نَفْسَه، ولأنَّ أنَسَ بن مالكٍ رَوَى، أنَّ يَهُودِيَّةً أتتْ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشَاةٍ مَسْمُومةٍ، فأكَلَ منها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يَقْتُلْها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤٤). قال (٤٥): وهل تجبُ الدِّيَةُ (٤٦)؟ فيه قَوْلان. ولَنا، خبرُ اليَهُوديَّةِ، فإنَّ أبا سَلَمةَ، قال فيه: فماتَ بِشْرُ بن الْبَراءِ، فأمَر بها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقُتِلَتْ. أخْرجه أبو داودَ (٤٧). ولأنَّ هذا يقْتُلُ


(٤١) في الأصل، ب: "فيها".
(٤٢) في م زيادة: "ففيه القود وإن كان لا يموت في مثلها غالبا". تكرار.
(٤٣) سقط من: أ، م.
(٤٤) أخرجه البخاري، في: باب قبول الهدية من المشركين، من كتاب الهبة. صحيح البخاري ٣/ ٢١٤. وأبو داود، في: باب في من سقى رجلا سما أو أطعمه فمات أيقاد منه، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٤٨١. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٢١٨.
(٤٥) سقط من: ب.
(٤٦) في م: "القود".
(٤٧) في: باب في من سقى رجلا سما أو أطعمه فمات أيقاد منه، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٤٨٢، ٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>