للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثرُ أهلِ العلمِ لا يُوجِبُونَ على مسلمٍ قِصاصًا بقَتْلِ كافِرٍ، أيَّ كافرٍ كان. رُوِيَ ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وزيدِ بن ثابتٍ، ومعاويةَ، رَضِيَ اللهُ عنهم. وبه قال عمرُ بن عبد العزيزِ، وعَطاءٌ، والحسنُ، وعِكْرِمةُ، والزُّهْرِيُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، والشَّافعيُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذرِ. وقال النَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْي: يُقْتَلُ المسلمُ بالذِّمِّيِّ خاصَّةً. قال أحمدُ: الشَّعْبِيُّ والنَّخَعِيُّ قالا: دِيَةُ المَجُوسِيِّ واليَهُوديِّ والنَّصْرانيِّ، مثلُ دِيَةِ المسلمِ، وإن قَتَلَه يُقْتَلُ به. هذا عَجَبٌ، يَصِيرُ المَجُوسِيُّ مثلَ المُسْلمِ، سُبْحانَ اللَّه، ما هذا القول! واسْتَبْشَعَه. وقال: النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بكفرٍ" (١). وهو يقول: يُقْتَلُ بكافرٍ. فأيُّ شيءٍ أشَدُّ من هذا! واحْتَجُّوا بالعُمُوماتِ التي ذكَرْناها في [أوَّلِ البابِ] (٢)، وبما رَوَى ابن البَيْلَمانِيِّ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَقَادَ مُسْلِمًا بذِمِّيٍّ، وقال: "أَنَا أحَقُّ مَنْ وَفَى (٣) بذِمَّتِهِ" (٤). ولأنَّه مَعْصومٌ عِصْمةً مُؤبَّدةً، فيُقْتَلُ به قاتِلُه، كالمُسْلِمِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِماؤُهُمْ، ويَسْعَى بذِمَّتِهِمْ أدْناهُم، ولَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بكافرٍ". روَاه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ (٥). وفي لفظٍ: "لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بكافرٍ".


(١) أخرجه البخاري، في: باب كتابة العلم، من كتاب العلم، وفي: باب فكاك الأسير، من كتاب الجهاد والسير، وفي: باب العاقلة، وباب لا يقتل المسلم بالكافر، من كتاب الديات. صحيح البخاري ١/ ٣٨، ٤/ ٤٨، ٩/ ١٤، ١٦. وأبو داود، في: باب أيقاد المسلم بالكافر، من كتاب الديات. سنن أبي داود ٢/ ٤٨٨. والترمذي، في: باب ما جاء لا يقل مسلم بكافر، من أبواب الديات. عارضة الأحوذي ٦/ ١٨١. والنسائي، في: باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ١٨. والدارمي، في: باب لا يقتل مسلم بكافر، من كتاب الديات. سنن الدارمي ٢/ ١٩٠. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٧٩.
(٢) سقط من: ب.
(٣) في الأصل زيادة: "بعهده و".
(٤) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٣٥. والبيهقي، في: باب بيان ضعف الخبر الذي روى في قتل المؤمن بالكافر وما روى عن الصحابة في ذلك، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى ٨/ ٣٠، ٣١. والإِمام الشافعي، انظر: كتاب الديات. ترتيب المسند ٢/ ١٠٥. وعبد الرزاق، في: باب قود المسلم بالذمى، من كتاب العقول. المصنف ١٠/ ١٠١.
(٥) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>