للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُرْحِ، لم يُقْتَلْ به قاتِلُه؛ لأنَّ التَّكافُؤَ مَعْدُومٌ حالَ الجِنايةِ، وعليه دِيَةُ مُسْلمٍ؛ لأنَّ اعتبارَ الأَرْشِ بحالةِ اسْتِقرارِ الجِنايةِ، بدليلِ ما لو قَطَعَ يَدَىْ رجُلٍ ورِجْليْه، فسَرَى إلى نَفْسِه، ففيه (١٢) دِيةٌ واحدةٌ، ولو اعْتُبِرَ حالَ الجُرْحِ، وَجَبَ دِيَتانِ، ولو قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ، ثم عَتَقَ ومات، لم يَجِبْ قِصاصٌ؛ لعَدَمِ التكافُؤِ (١٣) حالَ الجِنايةِ، وعلى الجانِي دِيَةُ حُرٍّ اعْتبارًا بحالِ الاسْتِقرارِ. وهذا قولُ ابنِ حامدٍ، ومذهبُ (١٤) الشافعيِّ. وللسَّيِّدِ أقَلُّ الأمْرَيْنِ، مِن نِصْفِ قِيمَتِه، أو نصفِ دِيَةِ حُرٍّ، والباقي لِوَرَثَتِه؛ لأنَّ نِصْفَ قِيمَتِه إن كانت أقَلَّ، فهي التي وُجِدَتْ في مِلْكِه، فلا يكونُ له أكْثَرُ منها؛ لأنَّ الزائدَ حَصَل بحُرِّيَتِه، ولا حَقَّ له فيما حَصَلَ بها، وإن كان الأقَلُّ الدِّيَةَ، لم يَسْتَحِقَّ أكْثَرَ منها؛ لأنَّ نَقْصَ القِيمةِ حصلَ بسَبَبٍ من جِهةِ السَّيِّدِ، [وهو إعْتاقُه] (١٥). وذكَرَ القاضي، أنَّ أحمدَ نَصَّ، في رِوايةِ حَنْبَلٍ، في من فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ، ثم أُعْتِقَ ومات، أنَّ على (١٣) الْجانِي قِيمَتَه للسَّيِّدِ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ الاعتبارَ بحالِ الجِنايةِ. وهذا اخْتيارُ أبي بكرٍ، والقاضِي، وأبي الخَطَّابِ، قال أبو الخَطَّاب: مَنْ قَطَعَ يَدَ ذِمِّيٍّ، ثم أسْلَمَ ومات، ضَمِنَه بِدِيَةِ ذِمِّيٍّ، ولو قَطَعَ يَدَ عبدٍ، فأعْتقَه سَيِّدُه ومات، فعلى الجانِي قِيمَتُه للسَّيِّدِ؛ لأنَّ حُكْمَ القِصاصِ مُعْتَبرٌ بحالِ الجِنايةِ، دُونَ حالِ السِّرَايةِ، فكذلك الدِّيَةُ. والأَوَّلُ أصَحُّ، إن شاء اللهُ تعالى؛ لأنَّ سِرَايةَ الجُرْحِ مَضْمُونةٌ، فإذا أتْلَفَتْ (١٦) حُرًّا مُسْلِمًا، وَجَبَ ضَمانُه بدِيَةٍ كاملةٍ، كما لو قَتَلَه بجُرْحٍ ثانٍ. وقولُ أحمدَ، في من فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ: عليه قِيمَتُه للسَّيِّدِ. لا خِلافَ فيه، وإنَّما الخلافُ في وُجُوبِ الزّائدِ على القِيمةِ من دِيَةِ الحُرِّ للوَرَثةِ، ولم يَذْكُرْه أحمدُ. ولأنَّ الواجِبَ مُقَدّرٌ بما تُفْضِى إليه السِّرايةُ، دُونَ ما تُتْلِفُه الجِنايةُ، بدَلِيلِ أنَّ من قُطِعَتْ يَداهُ (١٧) ورجْلاه، فسَرَى القَطْعُ إلى نَفْسِه،


(١٢) سقط من: م.
(١٣) في ب زيادة: "في".
(١٤) في م: "وهو مذهب".
(١٥) في م: "وإعتاقه".
(١٦) في ب: "أتلف".
(١٧) في ب: "يده".

<<  <  ج: ص:  >  >>