للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤَاخَذُ (٦) بفِعْلِه لا بفِعْلِ غيرِه. فعلى هذا، يُعْتَبرُ فِعْلُ الشَّرِيكِ مُنْفَرِدًا، فمتى تمَحَّضَ عَمْدًا عُدْوانًا، وكان المقتولُ مُكافِئًا له، وَجَبَ عليه القِصاصُ. وبَنَى الشافِعيُّ قولَه على أنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ والمَجْنُونِ إذا تعَمَّدَاه عَمْدٌ؛ لأنَّهما يَقْصِدان القَتْلَ، وإنَّما سُقُوطُ القِصاصِ عنهما لمعنًى فيهما، وهو عَدَمُ التَّكْليفِ، فلم يَقْتَضِ سُقُوطَه عن شَرِيكِهِما، كالأُبُوَّةِ. ولَنا، أنَّه شَارَكَ مَنْ لا مَأْثَمَ عليه في فِعْلِه، فلم يَلْزَمْه قِصاصٌ، كشَرِيكِ الخاطئِ, ولأنَّ الصَّبِيَّ والمَجْنونَ لا قَصْدَ لهما صحيحٌ، ولهذا لا يَصِحُّ إقْرارُهما، فكان حكمُ فِعْلِهِما حُكْمَ الخطإِ، وهذا معنى قولِ الخِرَقِيِّ: عَمْدُهما خَطَأٌ. أي في حُكْمِ الخَطَإِ في انْتِفاءِ القِصاصِ عنه (٧)، ومِقْدارِ (٨) دِيَتِه، وحَمْلِ عاقِلَتِهِما إيَّاها، ووُجُوبِ الكَفَّارةِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عليهم أثْلاثًا، على كلِّ واحدٍ منهم ثُلُثُها؛ لأنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ المَحَلِّ، ولذلك اخْتلَفَتْ باخْتِلافِه، والمَحَلُّ المُتْلَفُ واحدٌ، فكانت دِيَتُه واحدةً، ولأنَّها تتَقَدَّرُ بقَدْرِه، أمَّا القِصاصُ، فإنَّما كَمَلَ في كلِّ واحدٍ لأنَّه جَزَاءُ الفِعْلِ، وأفْعالُهُم مُتَعَدِّدةٌ، فتَعَدَّدَ (٩) في حَقِّهِم، وكَمَلَ في حَقِّ كلِّ واحدٍ، كما لو قَذَفَ جماعةٌ واحدًا، إلَّا أنَّ الثُّلُثَ الواجبَ على المُكَلَّفِ يَلْزَمُه (١٠) في مالِه حالًّا؛ لأنَّ فِعْلَه عَمْدٌ، والعاقِلَةُ لا تَحْمِلُ العَمْدَ، وما يَلْزَمُ الصَّبِيَّ والمَجْنُونَ، فعلى عاقِلَتِهِما؛ لأنَّ عَمْدَهُما خطأٌ، والعاقِلةُ تَحْمِلُ جِنايةَ الخَطَإِ إذا بَلَغَتْ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وتكونُ مُؤَجَّلَةً عامًا، فإنَّ الواجِبَ متى كان ثُلثَ الدِّيةِ، كان أجَلُه عامًا، ويَلْزَمُ كلَّ واحدٍ منهما الكفَّارَةُ في (١١) مالِه؛ لأنَّ فِعْلَهُما خطأٌ، والقاتِلُ الخاطِئُ والمُشارِكُ في القَتْلِ خَطَأً، يَلْزَمُه كَفّارَةٌ؛ لأنَّها لا تجبُ بَدَلًا عن المَحَلِّ، ولهذا لم تخْتلِفْ، وإنَّما


(٦) في ب، م: "يؤخذ".
(٧) في م: "عند".
(٨) في م: "ومدار".
(٩) في م: "فتعد".
(١٠) في م: "يلزم".
(١١) في ب، م: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>