للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلَغَتْ قِيمَتُه دِيَةَ الحُرِّ أو زادتْ عليها، فذهب أحمدُ، رحمه اللَّه، إلى أنَّ فيه (٢) قِيمَتَه، بالغةً ما بَلَغَتْ، وإن بلغتْ دِياتٍ، عَمْدًا كان القتلُ أو خطأً، سواءٌ ضَمِنَ بالْيَدِ أو بالجِنايةِ. وهذا قولُ سعيدِ بن المُسَيَّبِ، والحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، وعمرَ بن عبد العزيزِ، وإيَاسِ بن مُعاوِيةَ، والزُّهْرِيِّ، ومَكْحُولٍ، ومالكٍ، والأوْزاعيِّ، والشافعيِّ، وإسْحاقَ، وأبي يوسفَ. وقال النَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ، ومحمدٌ: لا تَبْلُغُ به دِيَةَ الحُرِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَنْقُصُ (٣) عن دِيَةِ الحُرِّ دينارًا (٤)، أو عَشْرةَ دَرَاهِمَ، القَدْرَ الذي يُقْطَعُ به السارِقُ، هذا (٥) إذا ضمِنَ بالجِنايةِ، وإن ضَمِن بالْيَدِ، بأن يَغْصِبَ عبدًا فيَمُوتَ في يَدِه، فإنَّ قِيمَتَه تَجِبُ وإن زادتْ على دِيَةِ الحُرِّ. واحْتَجُّوا بأنَّه ضَمانُ آدَمِيٍّ، فلم يَزِدْ على دِيَةِ الحُرِّ، كضَمانِ الحُرِّ؛ وذلك لأنَّ اللَّه تعالى لمَّا أَوْجَبَ في الحُرِّ دِيَةً لا تَزِيدُ، وهو أشْرَفُ لِخُلُوِّه (٦) من نَقِيصةِ الرِّقِّ، كان تَنْبِيهًا على دِيَةِ (٧) العَبْدِ المنقوصِ لا يُزادُ عليها، فنَجْعَلُ مالِيَّةَ العَبْدِ مِعْيارًا للقَدْرِ الواجبِ فيه، ما لم يَزِدْ على الدِّيَةِ، فإذا زاد، عَلِمْنا خَطأَ ذلك، فنَرُدُّه إلى دِيَةِ الحُرِّ، كأَرْشِ ما دُونَ المُوضِحةِ، يَجِبُ فيه ما تُخْرِجُه الحكومةُ، ما لم يَزِدْ على أرْشِ المُوضِحَةِ، فنَرُدُّه إليها. ولَنا، أنَّه مالٌ مُتَقَوَّمٌ، فيُضْمَنُ بكمَالِ قِيمَتِه بالغةً ما بَلَغَتْ، كالفَرَسِ، أو مَضْمُونٌ بقِيمَتِه، فكانتْ جميعَ القِيمةِ، كما لو ضَمِنَه باليَد، ويخالفُ الحُرَّ، فإنَّه ليس بمَضْمونٍ بالقِيمةِ، وإنَّما ضُمِنَ بما قَدَّرَه الشَّرْعُ، فلم يتجاوَزْه، ولأنَّ ضَمانَ الحُرِّ ليس بضَمانِ مالٍ، ولذلك لم يختلفْ باخْتلافِ صِفَاتِه، وهذا ضمانُ مالٍ، يَزِيدُ بزِيادةِ المالِيَّةِ، ويَنْقُصُ بنُقْصانِها، فاخْتَلَفا. وقد حَكَى أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ، رَحِمه اللَّه، رِوَايةً أُخْرَى، أنَّه لا يُبْلَغُ بالعَبْدِ دِيَةُ الحُرِّ. والمذهبُ الأوَّلُ.


(٢) سقط من: ب.
(٣) في ب، م: "ينتقص".
(٤) في ب: "دينار".
(٥) في ب، م: "وهذا".
(٦) في ب: "بخلوه". وفي م: "لخلوصه".
(٧) في ب: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>