للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وأسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ، وَعَلَيْه دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ، إذَا مَاتَ مِن الرَّمْيَةِ (١))

هذا قولُ ابنِ حامدٍ، ومذهبُ الشافعىِّ. وقال أبو بكرٍ: يَجِبُ القَوَدُ؛ لأنَّه قَتَل (٢) مُكافِئًا له ظُلْمًا عَمْدًا، فوَجَبَ القِصاصُ، كما لو كان حُرًّا مسلمًا حَالَ الرَّمْىِ، يُحَقِّقُه أنَّ الاعْتبارَ بحالِ الإِصابةِ (٣)، بدليلِ ما لو رَمَى مُسْلِمًا حَيًّا، فلم يَقَعْ به السَّهْمُ حتى ارْتَدَّ أو ماتَ، لم يَلْزَمْه شيءٌ، ولو رَمَى عبدًا كافرًا، فلم يَقَعْ به السَّهْمُ حتى عَتَقَ وأسْلَمَ، فعليه دِيَةُ حُرٍّ مسلمٍ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه في العبدِ دِيَةُ عَبْدٍ لمَوْلاه؛ لأنَّ الإصابةَ ناشِئةٌ عن إرْسالِ السَّهْمِ، فكان الاعْتبارُ بها، كحالةِ الجرْحِ. فأمَّا الكافرُ، فمَذْهَبُه أنَّ دِيَتَه دِيَةُ المسلمِ، وأنَّه يُقْتَلُ به المُسْلِمُ، وكذلك يُقْتَلُ الحُرُّ بالعَبْدِ. ولَنا على دَرْءِ الْقِصاصِ، أنَّه لم يَقْصِدْ (٤) إلى نفسٍ مُكافِئةٍ (٥) له حالَ الرَّمْىِ، فلم يَجِبْ عليه قِصاصٌ، كما لو رَمَى حَرْبِيًّا أو مُرْتَدًّا فأسلمَ. وعلى أبى حنيفةَ، أنَّه أتلَفَ حُرًّا، فضَمِنَه ضَمانَ الأحْرارِ، كما لو قَصَدَ صَيْدًا. وما قاله يَبْطُلُ بما إذا رَمَى حَيًّا فأصَابَه مَيّتًا، أو صَحِيحًا فأصابَه مَعِيبًا. ولَنا على أن دِيَتَه تجبُ لوَرَثَتِه دُونَ سَيِّدِه، أنَّه إذا أسْلَمَ تَجِبُ دِيَتُه لوَرَثَتِه المسلمينَ دُون الكُفَّارِ، إنْ (٦) مات مُسْلِمًا حرًّا، فكانت دِيَتُه لوَرَثَتِه المسلمينَ، كما لو كان كذلك حالَ رَمْيِه، ولأنَّ المِيراثَ إنَّما يُسْتَحَقُّ بالمَوْتِ، فتُعْتَبَرُ حالُه حينئذٍ، لا حينَ سَبَبِ المَوْتِ، بدَليلِ ما لو مَرِضَ وهو عبدٌ كافرٌ، ثم أسلمَ ومات بتلك العِلَّةِ، والواجبُ بَدَلُ المَحَلِّ، فيُعْتبَرُ بالمَحَلِّ الذي فات بها، فيَجِبُ بقَدْرِه، وقد فات بها نَفْسُ حُرٍّ مسلمٍ، والقِصاصُ جَزاءُ الفِعْلِ، فيُعْتَبَرُ الفِعْلُ فيه والإِصابةُ معًا؛ لأنَّهما طَرَفَاه، فلذلك، لم يَجِب القِصاصُ بقَتْلِه.


(١) في م: "سهمه".
(٢) سقط من الأصل.
(٣) في م: "الجناية".
(٤) في م: "يتعد".
(٥) في م: "مكافئته".
(٦) في الأصل، أ، ب: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>