للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَفْعتَيْنِ. فإن بادَرَ أحَدُهما فقَتَلَه، وَجَبَ (٣) للآخَرِ الدِّيَةُ في مالِه، أيّهما كان. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يُقْتَلُ بالْجماعةِ، ليس لهم إلَّا ذلك، وإن طَلَبَ بعضُهم الدِّيَةَ، فليسَ له، وإن بادَرَ أحَدُهم (٤) فقَتَلَهُ (٥)، سَقَطَ حقُّ الباقِينَ؛ لأنَّ الجماعةَ لو قَتَلُوا واحدًا قُتِلُوا به، فكذلك إذا قَتَلَهُم واحدٌ قُتِلَ بهم، كالواحدِ بالواحدِ. وقال الشافعيُّ: لا يُقْتَلُ إلَّا بواحدٍ، سواءٌ اتَّفَقُوا على [طَلَبِ القِصَاصِ] (٦) أو لم يَتَّفِقُوا؛ لأنَّه إذا كان لكلِّ واحدٍ اسْتِيفاءُ القِصاصِ، فاشْتِراكُهُم في المُطالبةِ لا يُوجِبُ تَدَاخُلَ (٧) حُقُوقِهِم، كسائرِ الحُقوقِ. ولَنا على أبى حنيفةَ، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ إنْ أحَبُّوا قَتَلُوا، وإنْ أحَبُّوا أخَذُوا العَقْلَ" (٨). فظاهِرُ هذا أنَّ أهلَ كلِّ قتيلٍ يَسْتَحِقُّونَ ما اخْتارُوه من القَتْلِ أو الدِّيَةِ، فإذا اتَّفَقُوا على القَتْلِ وَجَبَ لهم، وإن اخْتارَ بعضُهم الدِّيَةَ، وَجَبتْ (٩) له بظاهِرِ الخَبَرِ، ولأنَّهما جِنَايتانِ لا يتداخَلانِ إذا كانَتا خَطأً أو إحْداهما (١٠)، فلم يتَداخَلا في العَمْدِ، كالجِناياتِ على الأطْرافِ، وقد سَلَّمُوها. ولَنا على الشافعىِّ، أنَّه مَحَلٌّ تعَلَّقَ به حَقَّانِ، لا يَتَّسِعُ لهما معا، رَضِىَ المُسْتَحِقَّانِ به عنهما، فيُكْتَفَى به، كما لو قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدَيْنِ خطأً فرَضِىَ بأَخْذِه عنهما، ولأنَّهما رَضِيَا. بدُونِ حَقِّهِما فجاز، كما لو رَضِىَ صاحبُ الصَّحِيحةِ بِالشَّلَّاءِ، أو وَلِىُّ (١١) الحُرِّ بالعَبْدِ، ووَلِىُّ المسلمِ بالكافرِ. وفارَقَ ما إذا كان القَتْلُ خطأً؛ فإن الجنايةَ تجبُ في الذِّمَّةِ، والذِّمَّة تَتَّسِعُ لحُقُوقٍ كثيرةٍ. وما ذكَرَه مالكٌ وأبو حنيفةَ فليس بصحِيحٍ؛ فإنَّ


(٣) في ب: "وجبت".
(٤) في الأصل: "أحدهما".
(٥) في م: "فقتل".
(٦) في الأصل، أ: "الطلب للقصاص".
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) تقدم تخريجه في صفحة ٥١٦.
(٩) في م: "وجب".
(١٠) في ب، م: "أحدهما".
(١١) في الأصل: "وولى".

<<  <  ج: ص:  >  >>