للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان الضَّمانُ على الآمِرِ، كما لو أمَرَ عَبْدَه الأعْجَمِيَّ بقَتْلِ مَعْصُومٍ. وقال غيرُ أبي بكرٍ: في صِحَّةِ العَفْوِ وَجْهان؛ بِناءً على الرِّوايتَيْنِ في الوكيلِ، هل يَنْعَزِلُ بعَزْلِ المُوَكِّلِ أو لا؟ وللشافعيِّ قَوْلان، كالوَجْهَيْنِ. فإن قُلْنا: لا يَصِحُّ العَفْوُ. فلا ضَمانَ على أحدٍ؛ لأنَّه قَتَلَ مَنْ يَجِبُ قَتْلُه بأمْرِ مُسْتَحِقِّه (١٨). وإن قُلْنا: يَصِحُّ العَفْوُ. فلا قِصاصَ فيه؛ لأنَّ الوَكِيلَ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إباحةَ قَتْلِه بسَبَبٍ هو مَعْذُورٌ فيه، فأشْبَهَ ما لو قَتَلَ في دارِ الحَرْبِ مَنْ يَعْتَقِدُه حَرْبِيًّا. وتجبُ الدِّيةُ على الوكيلِ؛ لأنَّه لو عَلِمَ لَوَجَبَ عليه القصِاصُ، فإذا لم يَعْلَمْ تعَلَّقَ به الضَّمانُ، كما لو قَتَلَ مُرْتَدًّا قد أسْلَمَ قبلَ عِلْمِه بإسْلامِه، ويَرْجِعُ بها على المُوَكِّلِ؛ لأنَّه غَرَّهُ بتَسْلِيطِه على القَتْلِ وتَفْرِيطِه (١٩) في تَرْكِ إعْلامِه بالعَفْوِ، فيَرْجِعُ عليه، كالغَارِّ في النِّكاحِ بحُرِّيةِ أمَةٍ، أو تَزَوُّجِ مَعِيبَةٍ. ويَحْتَملُ أن لا يَرْجِعَ عليه؛ لأنَّ العَفْوَ إحسانٌ منه، فلا يَقْتَضِي الرُّجوعَ عليه. فعلى هذا، تكونُ الديةُ على عاقِلَةِ الوَكِيلِ. وهذا اختيارُ أبى الخَطَّابِ؛ لأنَّ هذا جَرَىَ مَجْرَى الخَطإِ، فأشْبَهَ ما لو قَتَلَ في دارِ الحَرْبِ مُسْلِمًا يَعْتَقِدُه حَرْبِيًا. وقال القاضي: هو في مالِ الوَكِيلِ؛ لأنَّه عن عَمْدٍ مَحْضٍ. وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لو كان عَمْدًا مَحْضًا لأوْجَبَ القِصاصَ، ولأنَّه يُشْتَرطُ في العَمْدِ المَحْضِ أن يكونَ عالِمًا بحالِ المَحَلِّ، وكَوْنِه مَعْصُومًا، ولم يُوجَدْ هذا. وإن قال: هو عَمْدُ الخَطَإِ. فعَمْدُ الخطإِ تَحْمِلُه العاقِلةُ. ذَكَرَه الْخِرَقِيُّ ودَلَّ عليه خَبَرُ المرأةِ التي قَتَلَتْ جَارَتَها (٢٠) وجَنِينَها بمِسْطَحٍ (٢١)، فقَضَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالدِّيَةِ على عاقِلَتِها (٢٢). واخْتَلَفَ أصحابُ الشافعيِّ (٢٣) على هذينِ الوَجْهَيْنِ، فعلَى قولِ


(١٨) في ب، م: "يستحقه".
(١٩) في ب، م: "بتفريطه".
(٢٠) في م: "جاريتها".
(٢١) مسطح: عود من أعواد الخباء.
(٢٢) أخرجه النسائي، في: باب قتل المرأة بالمرأة، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ١٩. وابن ماجه، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٨٢. والدارمي، في: باب في دية الجنين، من كتاب الديات. سنن الدارمي ٢/ ١٩٦، ١٩٧. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٣٦٤، ٤/ ٨٠.
(٢٣) في الأصل، ب: "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-".

<<  <  ج: ص:  >  >>