للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبى بكرٍ وصَدْرٍ من ولايةِ عمرَ، مع رُخْصِها وقِلَّةِ قِيمَتِها ونَقْصِها عن مائةٍ وعِشْرِينَ، فإيَجابُ ذلك فيها خِلافُ سُنَّةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَّق بين دِيَةِ الخَطَإِ والعَمْدِ، فغَلَّظَ دِيَةَ العَمْدِ، وخَفَّفَ ديةَ الخطإِ، وأجْمَعَ عليه أهلُ العلمِ، واعْتِبارُها بقِيمَةِ واحدةٍ تَسْوِيَةٌ بينهما، وجَمْعٌ بين ما فرَّقَه الشارعُ، وإزالةٌ للتَّخْفِيفِ والتَّغْلِيظِ جَمِيعًا، بل هو تَغْليظٌ لِدِيَةِ الخَطَإِ؛ لأنَّ اعْتِبارَ ابنِ مَخَاضٍ بقِيمَةِ ثَنِيَّةٍ أو جَذَعَةٍ، يَشُقُّ جدًّا، فيكونُ تَغْلِيظًا [لِدِيَةِ الخَطَإِ] (٢٥)، وتَخْفِيفًا لدِيَةِ العَمْدِ، وهذا خلافُ ما قَصَدَه الشارِعُ، ووَرَدَ به، ولأنَّ العادةَ نَقْصُ قِيمَةِ بَنَاتِ الْمَخَاضِ عن قِيمةِ الحِقَاقِ والجَذَعاتِ، فلو كانت تُؤَدَّى على عَهْدِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقِيمَةِ واحدةٍ، ويُعْتَبَرُ ذلك فيها، لَنُقِلَ، ولم يَجُز الإِخْلالُ به؛ لأنَّ ما وَرَدَ به الشَّرْعُ مُطْلَقًا إنَّما يُحْمَلُ على العُرْفِ والعادةِ، فإذا أُرِيدَ به ما يُخالِفُ الْعادةَ، وجَبَ بيانُه وإيضاحُه؛ لئَلَّا يكونَ تَلْبيسًا في الشَّرِيعةِ، وإيهامَهُم أنَّ (٢٦) حُكْمَ اللَّه خِلافُ ما هو حُكْمُه على الحقيقةِ، والنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعِثَ للبيانِ، قال اللَّه تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٢٧). فكيف يُحْمَلُ قولُه على الإِلْباسِ والإِلْغازِ! هذا ممَّا لا يَحِلُّ. ثم لو حُمِلَ الأمرُ على ذلك [لَكان ذِكْرُ] (٢٨) الأسْنانِ عَبَثًا غيرَ مُفِيدٍ، فإنَّ فائدَة ذلك إنَّما هو كَوْنُ اخْتِلافِ أسْنانِها مَظِنَّةَ اخْتلافِ القِيَمِ، فأُقِيمَ مُقامَه، ولأنَّ الإِبِلَ أصْلٌ في الدِّيَةِ، فلا تُعْتَبَرُ قِيمَتُها بغيرِها، كالذَّهَبِ والوَرِقِ، ولأنَّها أصْلٌ في الوُجُوبِ، فلا تُعْتَبَرُ قِيمَتُها، كالإِبلِ في السَّلَمِ وشاةِ الجُبْرانِ، وحديثُ عمرِو بن شُعَيْبٍ حُجَّةٌ لنا؛ فإنَّ الإِبلَ كانت تُؤْخَذُ قبلَ أن تَغْلُوَ ويُقَوِّمَها عمرُ، وقِيمَتُها أقَلُّ من اثْنَىْ عَشرَ ألفًا، وقد قيل: إن قِيمَتَها كانتْ ثمانيةَ آلافٍ. ولذلك قال عمرُ: دِيَةُ الكِتَابِىِّ أرْبعةُ آلافٍ (٢٩). وقولُهم: إنَّها أبْدالُ مَحَلٍّ


(٢٥) في م: "للدية في الخطأ".
(٢٦) في ب: "إلى".
(٢٧) سورة النحل ٤٤.
(٢٨) في م: "لكن" خطأ.
(٢٩) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٣٠، ١٣١، ١٤٦. =

<<  <  ج: ص:  >  >>