للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواءٌ كان القاتِلَ أو العاقِلَةَ؛ لأنَّ وُجُوبَها على سَبِيلِ المُواساةِ، فيَجِبُ كَوْنُها من جِنْسِ مالِهم، كالزِّكاةِ، فإذا كان عندَ بعضِ العاقلةِ عِرَابٌ، وعندَ بعضِهم بَخَاتِىٌّ، أُخِذَ من كلِّ واحدةٍ من جِنْسِ ما عندَه، وإن كان عندَ واحدٍ صِنْفانِ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، يُؤْخَذُ من كل صِنْفٍ بقِسْطِه. والثانى، يُؤْخَذُ من الأكثرِ، فإن اسْتَويَا، دَفَعَ من أيِّهما شاءَ. فإن دَفَعَ من غيرِ إبلِه خيرًا من إبلِه أو مِثْلَها، جاز، كما لو أخْرَجَ في الزَّكاةِ خيرًا من الواجِبِ، وإن كان أدْوَنَ، لم يُقْبَلْ، إلَّا أن يَرْضَى المُسْتَحِقُّ. وإن لم يَكُنْ له إبلٌ، فمن غالبِ إبلِ البَلَدِ، فإن لم يكُنْ في البَلَدِ إبلٌ، وجَبَ من غالبِ إبلِ أقْرَبِ البلادِ إليه. فإن كانتْ إبلُه عِجَافًا أو مِرَاضًا، كُلِّفَ تَحْصِيلَ صِحَاحٍ من صِنْفِ (٣٣) ما عندَه؛ لأنَّه بَدَلُ مُتْلَفٍ، فلا تُؤْخَذُ فيه مَعِيبةٌ (٣٤)، كَقِيمةِ الثَّوْبِ المُتْلَفِ، ونحوَ هذا قال أصحابُنا في البَقَرِ والغَنَمِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فِي النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ" (٣٥). أطْلَقَ الإِبلَ، فمَن قيَّدَها احْتاجَ إلى دَلِيلٍ، ولأنَّها بَدَلُ المُتْلَفِ، فلم يَخْتَصَّ بجِنْسِ مالِه، كبَدَلِ سائرِ المُتْلَفاتِ، ولأنَّها حَقٌّ ليس سَبَبُه المالَ، فلم يُعْتَبَرْ كونُه من جِنْسِ مالِه، كالمُسْلَمِ فيه والقَرْضِ، ولأنَّ المَقْصُودَ بالدِّيَةِ جَبْرُ المَفُوتِ، والجَبْرُ لا يَخْتَصُّ بجِنْسِ مالِ مَنْ وَجَبَ عليه. وفارَقَ الزَّكاةَ؛ فإنَّها وجَبَتْ على سَبِيلِ المُواساةِ، ليُشَارِكَ الفقراءُ الأغْنِياءَ فيما أنْعَمَ اللَّه تعالى به عليهم، فاقْتَضَى كَوْنَه من جِنْسِ أمْوالِهِم، وهذا بَدَلُ مُتْلَفٍ، فلا وَجْهَ لتَخْصِيصِه بمالِه. وقولُهم: إنَّها مُواساةٌ. غيرُ صَحِيحٍ، وإنَّما وَجَبَتْ جَبْرًا للفائِتِ، كبَدَلِ المالِ المُتْلَفِ، وإنَّما العاقِلةُ تُواسِى القاتِلَ فيما وجَبَ بجنايَتِه، ولهذا (٣٦) لا يَجِبُ من جِنْسِ أموالِهم إذا لم يكُونُوا ذَوِى إبلٍ، والواجبُ بجِنايَتِه إبلٌ مُطْلَقةٌ، فتُواسِيه في تَحَمُّلِها، ولأنَّها لو وَجَبَتْ من جِنْسِ مالِهم، لَوَجَبَتِ المَرِيضةُ من المِرَاضِ، والصغيرةُ من الصِّغارِ، كالزَّكاةِ.


(٣٣) في م: "جنس".
(٣٤) في ب: "معيب".
(٣٥) تقدم تخريجه، في صفحة ٥.
(٣٦) في ب: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>