للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالقِصاصِ، وأرْشِ أطْرافِ العَبْدِ، ولا يُشْبِهُ شِبْهَ العَمْدِ؛ لأنَّ القاتِلَ معذورٌ، لكَوْنِه لم يَقْصِدِ القَتْلَ، وإنَّما أفْضَى إليه من غيرِ اخْتِيارٍ منه، فأشْبَه الخطأَ، ولهذا تَحْمِلُه العاقِلةُ، ولأنَّ القَصْدَ التَّخْفيفُ عن (٤) العاقلةِ الذين لم تَصْدُرْ منهم جِنايةٌ، وحَملُوا أداءَ مالٍ مُواساةً، فالأرْفَقُ بحالِهم التَّخْفيفُ عنهم، وهذا موجودٌ في الخطَإِ وشِبْهِ العَمْدِ على السَّواءِ، وأمَّا العَمْدُ، فإنَّما يَحْمِلُه الجانِى في غيرِ حالِ العُذْرِ، فوَجَبَ أن يكونَ مُلْحَقًا ببَدَلِ سائرِ المُتْلَفاتِ، ويُتَصَوَّرُ الخِلافُ معه، فيما إذا قَتَلَ ابْنَه، أو قَتَلَ أجْنَبِيًّا، وتَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ القِصاصِ، لعَفْوِ بعضِهم، أو غيرِ ذلك. واخْتلَفتِ الرِّوايةُ في مِقْدارِها، فرَوَى [جماعةٌ عن أحمدَ] (٥)، أَنَّها أَرْبَاعٌ, كما ذكَرَ الخِرَقِىُّ، وهو قولُ الزُّهْرِىِّ، ورَبِيعةَ، ومالكٍ، وسليمانَ بن يَسارٍ، وأبى حنيفةَ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ مَسْعودٍ، رَضِىَ اللهُ عنه. ورَوَى جماعةٌ عن أحمدَ، أَنَّها ثلاثون حِقّةً، وثلاثون جَذَعةً، وأربعون خَلِفَةً في بُطونِها أولادُها. وبهذا قال عَطاءٌ، ومحمدُ بن الحسنِ، والشافعيُّ. ورُوِى ذلك عن عمرَ، وزيدٍ، وأبى مُوسَى، والمُغِيرَةِ؛ لما رَوَى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا، دُفِعَ إلَى أَوْلِياءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ (٦)، وإنْ شَاءُوا أخَذُوا الدِّيَةَ، وهِىَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وأَرْبَعُون خَلِفَةً، ومَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ". وذلك لتشْديدِ القَتْلِ. رَوَاه التِّرْمِذِىُّ (٧)، وقال: هو حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وعن عبدِ اللَّه بن عمرٍو، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الخَطإِ، قَتِيلِ السَّوْطِ والْعَصَا، مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُون خَلِفَةً في بُطُونِها أوْلَادُهَا". روَاه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، وغيرُهم (٨). وعن عمرِو بن شُعَيْبٍ، أنَّ رَجُلًا يُقال له: قَتادَة، حَذَفَ ابنَه بالسَّيْفِ، فقَتَلَه، فأخَذَ عمرُ منه الدِّيَةَ؛


(٤) في ب، م: "على".
(٥) في ب: "الجماعة وأحمد".
(٦) في الأصل، ب: "قتلوا".
(٧) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٥٩٥.
(٨) تقدم تخريجه، في: ٦/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>