للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّوايتَيْنِ فيها، واخْتلافِ العُلَماءِ فيها، وقد سَبَقَ الكلامُ في ذلك، إلَّا أنَّها تُخالِفُ العَمْدَ في أمْرَيْنِ؛ أحدهما، أنَّها على العاقِلَةِ، في ظاهرِ المَذْهَبِ. وبه قال الشّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، والشافعيُّ، والثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ، وأَصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ سِيرِينَ، والزُّهْرِىُّ، والحارثُ العُكْلىُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وقَتادةُ، رأبو ثَوْرٍ: هي على القاتلِ في مالِه. واختاره أبو بكرٍ عبدُ العزيز؛ لأنَّها مُوجِبُ فِعْلٍ قَصَدَه، فلم تَحْمِلْه العاقِلَةُ، كالعَمْدِ المَحْضِ، ولأنَّها دِيَةٌ مُغلَّظَةٌ، فأشْبَهتْ دِيَةَ العَمْدِ. وهكذا يَجِبُ أن يكونَ مَذْهَبُ مالكٍ؛ لأنَّ شِبْهَ العَمْدِ عندَه من بابِ العَمْدِ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: اقْتَتَلَتِ امْرأتانِ مِن هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إحداهُما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها وما في بَطْنِها، فقَضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدِيَةِ المرأةِ علَى عاقِلَتِها. مُتَّفَقٌ عليه (٢). ولأنَّه نَوْعُ قَتْلٍ لا يُوجِبُ قِصَاصًا، فوَجَبَتْ دِيَتُه على العاقِلَةِ، كالخَطإِ، ويُخالِفُ العَمْدَ المَحْضَ؛ لأنَّه يُغلَّظُ من كلِّ وَجْهٍ، لقَصْدِه الفِعْلَ، وإرَادَتِه القَتْلَ، وَعَمْدُ الخَطإِ يُغلَّظُ من وَجْهٍ، وهو قَصْدُه الفِعْلَ، ويُخَفَّفُ (٣) مِن وَجْهٍ، وهو كَوْنُه لم يُرِدِ القَتْلَ (٤)، فَاقْتَضَى تَغْلِظَها من وَجْهٍ وهو الأسْنَانُ، وَتَخْفِيفَها من وَجْهٍ وهو حَمْلُ العاقِلَةِ لها وَتَأْجِيلُها. ولا أعلمُ في أنَّها تَجِبُ مُؤَجَّلةً خِلافًا بينَ أهلِ العلمِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وبه قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادةُ، وأبو هاشمٍ (٥)، وعُبَيْد اللَّه (٦) بن عمرَ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. [وقد حُكِىَ] (٧) عن قَوْمٍ من الْخَوارجِ، أَنَّهم قالوا: الدِّيَةُ حالَّةٌ؛ لأنَّها بَدَلُ مُتْلَفٍ. ولم يُنْقَلْ إلينا ذلك عن مَن يُعَدُّ خِلافُه خِلافًا. وتُخالِفُ الدِّيَةُ سائرَ


(٢) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٤٦٣.
(٣) في الأصل، ب: "ويخف".
(٤) في ب: "القتيل".
(٥) يحيى بن دينار، تقدم في: ١٠/ ٤١٠.
(٦) في ب، م: "وعبيد اللَّه".
(٧) في الأصل: "وحكى".

<<  <  ج: ص:  >  >>