للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحْتَجُّوا على التَّغْلِيظِ في العَمْدِ، أنَّه (٢٨) إذا غُلِّظَ الخَطَأُ مع العُذْرِ فيه، ففى العَمْدِ مع عَدَمِ العُذْرِ أوْلَى. وكلُّ مَن غَلَّظَ الدِّيَةَ، أوْجَبَ التَّغْلِيظَ في بَدَلِ الطَّرَفِ، بهذه الأسبابِ؛ لأنَّ ما أوْجَبَ تَغْليظَ دِيَةِ النَّفْسِ، أوْجَبَ تَغْلِيظَ دِيَةِ الطَّرَفِ، كالعَمْدِ. وظاهرُ كلام الْخِرَقِىِّ، أنَّ الدِّيَةَ لا تُغَلَّظُ بشيءٍ من ذلك. وهو قولُ الحسنِ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وأبي حنيفةَ، والْجُوزَجَانىِّ، وابنِ المُنْذِرِ. ورُوِىَ ذلك عن الفُقَهاءِ السَّبْعةِ (٢٩)، وعمرَ بن عبد العزيزِ، وغيرِهم (٣٠)؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فِي النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ" (٣١). لم يَزِدْ على ذلك. "وعَلَى أهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ مِثْقالٍ" (٣٢). وفي حديثِ أبي شُرَيْحٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وَأَنْتُمْ يَا خُزَاعةُ قَدْ قَتَلْتُم هذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وأَنَا واللهِ عاقِلُهُ، مَنْ (٣٢) قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ ذلِكَ، فَأهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وإنْ أحَبُّوا أخَذُوا الدِّيَةَ" (٣٣). وهذا القَتْلُ كان بمَكَّةَ في حَرَمِ اللَّه تعالى، فلم يَزِدِ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الدِّيَةِ، ولم يُفَرِّقْ بين الحَرَمِ وغيرِه، وقولُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (٣٤). يَقْتَضِى أنَّ الدِّيَةَ واحدةٌ في كلِّ مكانٍ، وفى (٣٥) كلِّ حالٍ، ولأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أخَذَ من قَتادَةَ المُدْلِجِىِّ دِيَةَ ابْنِه، ولم يَزِدْ على مائةٍ. ورَوَى الجُوزَجانىُّ، بإسْنادِه عن أبي الزِّنَادِ، أنَّ عمرَ بن عبد العزيزِ، كان يَجْمَعُ الفُقَهاءَ، فكان [ممَّا أحْيَى] (٣٦) من تلك السُّنَنِ بقولِ فُقَهاءِ المَدِينةِ السَّبْعةِ ونُظَرَائِهِم، أنَّ ناسًا كانوا يقولون: إنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ في


(٢٨) في ب: "لأنه".
(٢٩) سقط من: الأصل.
(٣٠) سقط من: م.
(٣١) تقدم تخريجه، في صفحة ٥.
(٣٢) في ب: "فمن".
(٣٣) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٥١٦.
(٣٤) سورة النساء ٩٢.
(٣٥) سقطت "في" من: الأصل، ب.
(٣٦) في ب: "ما اختار".

<<  <  ج: ص:  >  >>