للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصْلُ في تَسْمِيَةِ الصِّياحِ اسْتِهْلالًا، أنَّ مِن عادَةِ الناسِ أنَّهم إذا رَأَوُا الهلالَ صاحُوا، وأَرَاهُ (٣) بعضُهم بعضًا، فسُمِّىَ صِياحُ المَوْلودِ اسْتِهْلالًا؛ لأنَّه في ظُهُورِه بعدَ خَفائِه كالهِلالِ، وصِياحُه كصِيَاحِ من يَتَراءَاهُ. ولَنا، أنَّه عُلِمَتْ حَياتُه، فأشْبَهَ المُسْتَهِلَّ، والخبرُ يَدُلُّ بمَعْناه وتَنْبِيهِه على ثُبُوتِ الحكمِ في سائِرِ الصُّوَرِ؛ لأنَّ شُرْبَه اللَّبَنَ أدَّلُ على حَياتِه من صِياحِه، وعُطاسُه صَوْتٌ منه فهو (٤) كصِيَاحِه، وأمَّا الحَرَكةُ والاخْتِلاجُ المُنْفَرِدُ، فلا يَثْبُتُ به حُكْمُ الحياةِ؛ لأنَّه قد يتَحَرّكُ بالاخْتِلاجِ وسَبَبٍ آخرَ، وهو خُرُوجُه من مَضِيقٍ، فإنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ سِيَّما (٥) إذا عُصِرَ ثم تُرِكَ، فلم تَثْبُتْ بذلك حَياتُه.

الفصل الثاني: أنَّه إنَّما يَجِبُ ضَمانُه إذا عُلِمَ مَوْتُه بسببِ الضَّرْبةِ، ويَحْصُلُ ذلك بسُقُوطِه في الحالِ ومَوْتِه، [أو بقائِه] (٦) مُتَأَلِّمًا (٧) إلى أن يَمُوتَ، أو بقاءِ أُمِّه مُتألِّمةً إلى أن تُسْقِطَه، فيُعْلَمَ بذلك مَوْتُه بالجِنايةِ، كما لو ضَرَبَ رَجُلًا فمات عَقِيبَ ضَرْبِه، أو بَقِىَ ضَمِنًا (٨) حتى مات. وإن ألْقَتْه حَيًّا، فجاء آخَرُ فقَتَلَه، وكان فيه حياةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فعلى الثاني القِصاصُ إذا كان عَمْدًا، أو الدِّيَةُ (٩) كاملةً، وإن لم يَكُنْ فيه حياةٌ مُسْتَقِرةٌ، بل كانت حَرَكَتُه كحَرَكةِ المَذْبُوحِ، فالقاتلُ هو الأوَّلُ، وعليه الدِّيَةُ كاملةً، وعلى الثاني الأدَبُ. وإن وقَعَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثم بَقِىَ زَمَنًا سالِمًا لا أَلَم به، لم يَضْمَنْه الضارِبُ؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّه لم يَمُتْ من جِنايَتِه.

الفصل الثالث: أنَّ الدِّيَةَ الكاملةَ إنَّما تَجِبُ فيه إذا كان سُقُوطُه لسِتَّةِ أشْهُرٍ


(٣) في م: "وأراهم".
(٤) سقط من: ب، م.
(٥) سقط من: الأصل.
(٦) سقط من: م.
(٧) في ب: "سالما".
(٨) الضَّمِن؛ ككتف: الزمن والمبتلى في جسده.
(٩) في الأصل: "والدية".

<<  <  ج: ص:  >  >>